Skip links
مركبة فضائية على شكل اسطواني تطفو في الفضاء ولها سبعة ألواح طاقة شمسية موجهة نحو الشمس

المهمَّة جينسيس والإنجاز غير المُكتمِل

الرئيسية » المقالات » الفضاء » المهمَّة جينسيس والإنجاز غير المُكتمِل

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

قد تكون الرحلات الاستكشافية الفضائية وإرسال أجهزة مراقبة لدراسة الكواكب البعيدة من المهام الصعبة والمكلفة إلا أن رحلات جمع العيّنات من الكواكب أو النجوم تُعتبر من أصعب المهام، وللأسف العديد من هذه المهام لم تكن مهاماً ناجحةً، وأحد هذه المهام هي المهمَّة جينيسيس (Genesis).

ما هي أهداف المهمَّة جينسيس؟

هدف المهمَّة الأساسي هو إرسال المركبة الفضائية جينيسيس (Genesis spacecraft) إلى المدار L1، وعندها تقوم المركبة الفضائية بجمع عيّناتٍ من الرياح الشمسية (Solar wind) بما تحويه من نظائر عناصر كيميائية وأيونية، ومن ثم تبدأ رحلة العودة لتهبط المركبة مُحمَّلةً على سطح الأرض أي أن المهمَّة هي مهمَّة جمع عيّنات أكثر من كونها مهمَّةً استكشافية. عادةً ما يواجه هذا النوع من المهمَّات العديد من التحديات، ولربما أهمُّ هذه التحديات هو كيفية الهبوط السليم للمركبة دون أن تتعرَّض العيّنات داخل المركبة للتخريب أثناء الهبوط.

كما تسعى المهمَّة لجمع كميةٍ كبيرةٍ نسبياً من الرياح الشمسية بما يكفي لتشكيل مخزونٍ من هذه الرياح لإجراء الدراسات المختلفة عليها. وهذا ما جعل هذه المهمَّة مميزة، فالمهمَّة جينسيس هي أول عملية جمع عيّناتٍ فضائيةٍ لناسا منذ المهمَّة أبولو (Apollo program) التي انتهت في عام 1972، والتي تمَّ فيها جمع عيّناتٍ من القمر.

كما أن المهمَّة جينسيس هي أول مهمَّة جمع عيّناتٍ فضائيةٍ لما هو أبعد من القمر الأمر الذي جعل هذه المهمَّة بالغةً في الأهمية خاصةً وأن المعلومات التي ستقدمها قد تشكُّل حجر الأساس في معرفة النشأة الأساسية لمجموعتنا الشمسية. [1]

ما هي الرياح الشمسية؟

تعود الفرضيات الأولى لظاهرة الرياح الشمسية لعام 1859 حيث اقترح العالم البريطاني (Richard C. Carrington) وجود اندفاعٍ للجزيئات من الشمس إلى الغلاف المحيط بها بما يُسمَّى بظاهرة التوهُّج الشمسي (Solar flare)، ليتبين فيما بعد أن هذه الظاهرة قد تشكُّل أحد الأسباب التي جعلت درجة الغلاف المحيط بالشمس، وخاصةً بالطبقة الثالثة (الأبعد عن الشمس)، والتي تسمَّى الطبقة (Corona) ليتبين فيما بعد أن الشمس مصدرٌ لاندفاع الجزيئات بسرعاتٍ ضخمةٍ جداً تصل لحوالي 400 كم/ثانية، وبدرجات حرارة مرتفعةٍ جداً. [2]

لم تكن ظاهرة الرياح الشمسية بحدِّ ذاتها الهدف الرئيسي للمهمَّة جينسيس، فهي ظاهرة قد تمَّ ملاحظتها ودراستها لزمن طويل إنما ما تحمله هذه الرياح من عناصر كيميائية ونظائر قد يقدم الإجابة عن أصل كوكب الأرض والمجموعة الشمسية، فالاعتقاد السائد لدى علماء الفلك هو أن الطبقة الخارجية للشمس ما زالت على تحتوي على بقايا السديم الشمسي (تجمُّعات المادة قبل تشكُّل المجموعة الشمسية)،

فإذا استطعنا الحصول على النظائر الموجودة داخل هذه الطبقة، والتي تنتقل مكوناتها ضمن الرياح الشمسية، ومن ثم قمنا بمقارنة هذه النظائر بما هو موجود في الأرض فقد نستطيع معرفة فيما إذا كان كوكب الأرض ينتمي بالفعل إلى المجموعة الشمسية أو أنه قد نشأ في مكان ما بعيداً عن هذه المجموعة ثم استقر في أحد المدارات المحيطة في الشمس.

الهبوط الفاشل للمركبة الفضائية جينسيس

في عام 2001 تمَّ إطلاق المركبة الفضائية جينسيس لتصل إلى المدار الهدف بين الشمس والأرض في 8 كانون الأول من ذات العام، وفي ذلك المدار تمَّ تفعيل أجهزة التقاط الرياح الشمسية التي تعمل على التقاط المواد والجزيئات المندفعة ضمن الرياح الشمسية، واستمر جمع العيّنات لحوالي 3 سنوات (قرابة 850 يوم) لتبدأ بعدها رحلة العودة نحو الأرض بما تحمله من رياح شمسية في موعد مقدَّر في 8 أيلول 2004 إلا أن الهبوط لم يحصل في الموعد المحدد، بسبب ما تحتويه المهمَّة من مواد حساسة ودقيقة قد تتخرب بحال اللجوء إلى الطرق التقليدية للهبوط (الاعتماد على المظلات).

لذلك كان من المخطط الاعتماد على مظلتين لتخفيف سرعة المركبة ليتمَّ بعدها عملية الاستلام في الجو عبر مروحية، وذلك لضمان عدم تضرُّر محتويات المركبة. إلا أنه وللأسف هذه المرحلة بالأصل لم تبدأ، فبعد وصول المركبة داخل الغلاف الجوي للأرض حصل عطلٌ فنيّ أدى إلى عدم تفعيل المظلة الأولى مما أدى إلى اندفاع المركبة بسرعة وتحطمها في صحراء أوتاوا في الولايات المتحدة الأمريكية.

أدى هذا الأمر إلى تخرُّب القسم الأكبر من العيّنة لتصبح المهمَّة ككل مهمَّةً فاشلةً أو (غير ناجحة) على أقلّ تقدير، بعد الإعلان الرسمي عن تحطُّم المركبة، تمَّ بدء تحقيقٍ لمعرفة سبب الخلل التقني الذي أدى إلى عدم تفعيل المظلة ليتبين أنه عذر لم يتمّ التحقُّق منه أثناء مرحلة مراجعة التصميم للمركبة، وأنه أمكن تجنُّب الحادثة إذا تمَّ القيام ببعض إجراءات التحقُّق قبل بدء المهمَّة. [3]

إنقاذ النتائج الممكنة من المهمَّة جينسيس

على الرغم من تحطُّم المركبة وتضرُّر محتوياتها تمَّ العثور على كميةٍ من الرمل ضمن المركبة بسبب الحادث إلا أن التقرير الرسمي لناسا حول هذه المهمَّة أكد على أنها استطاعت تحقيق معظم الأهداف العلمية المرجوة، وأن قسماً كبيراً من المواد ضمن المركبة لم تتضرر، وبالفعل بدأت عملية استخلاص البيانات من العيّنات السليمة ضمن المركبة.

واستطاعت ناسا نشر بعض النتائج المذهلة بالاعتماد على مقارنة النظائر الموجودة ضمن الرياح الشمسية، وتلك الموجودة في القمر والأرض، وربما أهمّها إثبات وجود اختلاف بين نظائر الأوكسجين الشمسية، وتلك الموجودة في الأرض الأمر الذي يوجهنا نحو الاستنتاج أن الأرض والقمر لم يتشكلا من ذات السديم الكوني المُشكِّل للمجموعة الشمسية، أي أن الأرض لم تكن كوكباً من هذه المجموعة عند تشكُّلها. [3]

واستمرت الدراسات على العيّنات الناجية من تحطُّم المركبة لفترةٍ طويلةٍ بعد انتهاء المهمَّة الأمر الذي جعل من المهمَّة جينسيس مهمةً ناجحةً علمياً على أقلّ تقدير.

المراجع البحثية

1- Burnett, D. S., & Team, G. S. (2011). Solar composition from the Genesis Discovery Mission. Proceedings of the National Academy of Sciences, 108(48), 19147–19151. Retrieved May 14, 2023

2- Dobrijevic, D. (2022, June 21). Solar wind: What is it and how does it affect earth? . Space.com. Retrieved May 14, 2023

3- Genesis (Solar-Wind Sample Return Mission). (2012, May 29). Retrieved May 14, 2023

This website uses cookies to improve your web experience.