Skip links
مجموعة من الخلايا النجمية المترابطة مع بعضها البعض

المرونة العصبية

الرئيسية » المقالات » الطب » المرونة العصبية

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

لا يمكن للاعب كرة القدم أن يمتلك الخبرة التي يمتلكها عازف الموسيقى في العزف، ولا يمكن للمهندس أن يمتلك خبرة الطبيب في الطب إلا أن جميع هؤلاء الأشخاص يولدون بنفس القدرات الذهنية، فما هي الخاصية التي تجعل كلا منهم يمتلك قدراتٍ أفضل في مجالٍ أو تخصّصٍ معين؟ الإجابة باختصار هي: المرونة العصبية.

ماذا تعني المرونة العصبية؟

يُعبّر مصطلح المرونة العصبية (Neuroplasticity) عن قدرة الجهاز العصبي المركزي، وخاصةً الدماغ على التكيُّف البنيوي والوظيفي استجابةً للمتغيرات البيئية المحيطة، كقدرة الدماغ على التكيُّف مع المنبهات المحيطة أو القدرة على التكيُّف بعد إصابات الدماغ، كاحتشاء الدماغ. جميعنا نولد بخصائص غريزية متشابهة، إلا أنه مع الزمن نكتسب قدرات، ونتعلم مواهب جديدة (كالنطق، وتعلم اللغات، والحساب، وغيرها)، فكيف تحدث عملية التعلم هذه؟

يوجد في القشرة المُخيّة، وهي المنطقة التي تُعنى بتوجيه الأوامر الحركية، وتفسير المُنبّهات الحسية في الدماغ عند الولادة حوالي 2500 مشبك عصبي بين خلاياه العصبية، وخلال حوالي سنتين فقط تزداد عدد هذه التشابكات، ليصل إلى حوالي 15000 مشبك، وهذه التشابكات قد تعطي صورةً مبسطةً للسبل العصبية ضمن القشرة المخية.

وهذه التشابكات تزداد بالتزامن مع ازدياد المهارات والقدرات التي يتعلمها الإنسان، وهذه السبل (على تعقيدها) هي التي تجعلنا مثلاً لا نلمس الأجسام الحادة المدببة (على الرغم من أن المنبه هو منبهٌ حسيٌّ باللمس إلا أنه بسبب التشابك بين السبل البصرية، وسبل حسّ اللمس يمكن أن ندرك أنه في حال لمسنا هذا الجسم المدبب سنشعر بالألم).

بالطبع هذه السبل هي نتيجةٌ طبيعيةٌ للتطور والتعلم الذي يمرُّ به الدماغ، إلا أن المرونة العصبية تظهر بشكلٍ أوضح في حال فقدان أحد أجزاء الدماغ لقدرته الوظيفية بسبب الإصابة، أو الأمراض، أو المتلازمات الوراثية. [1]

ما هي أقسام المرونة العصبية؟

1- التجدُّد العصبي أو الإنبات العصبي

والذي يضمُّ تشكل التشابكات العصبية الجديدة.

2- إعادة التنظيم الوظيفي

بما يضمن تكافؤ القدرات بين قطاعات الجسم المختلفة، وهنا يجب التذكير بأن الخلايا العصبية (العصبونات) بشكلٍ عام هي خلايا غير قابلةٍ للتجدُّد الذاتي أي أن الجزء المفقود من الجهاز العصبي المركزي لا يمكن أن يتجدَّد، أو أن يستعيد وظيفته بشكلٍ كامل، إنما يعمل الجهاز العصبي المركزي عبر مرونته العصبية على تعويض وظيفة هذا الجزء المفقود جزئياً، وذلك بالاعتماد على الأجزاء المحيطة السليمة به. [1]

بعض الأمثلة للمرونة الدماغية العصبية

1- تكيُّف المناطق المتجانسة

نلاحظ هذه الظاهرة في الأعمار الصغيرة عند الأطفال، ففي حال حدوث إصابةٍ في منطقة من نصف الكرة المُخيّة، فإن الدماغ يعمل على تعويض وظيفة هذه المنطقة في نصف الكرة المُخيّة السليم والنظير له، الأمر الذي سيزيد العبء على هذه المنطقة.

فمثلاً: لو حدثت إصابة ضمن القشرة المُخيّة الجدارية ضمن نصف الكرة المُخيّة الأيمن من لدى طفل رضيع، فإن وظيفة هذا القشرة سيتمُّ تعويضها عبر الاعتماد على القشرة الجدارية ضمن نصف الكرة المُخيّة الأيسر، الأمر الذي قد ينتج عنه ضعفٌ في القدرات الحسابية عند هذا الطفل حيث إن مركز تعلم القدرات الحسابية يقع ضمن القشرة المُخيّة الجدارية في النصف الأيسر من الكرة المُخيّة، وذلك لأن القشرة الجدارية اليسرى أصبح جزءاً منها بديلاً عن القشرة الجدارية اليمنى المتضررة.

2- إعادة التعيين عبر الوسائط

وفيها يستعيد الدماغ بعض الوظائف المُعطّلة ضمنه عبر الاعتماد على قطاعاتٍ مختلفةٍ تماماً، وذلك عبر تشكل سبل متخصصة تربط المراكز المُعطّلة بالمراكز السليمة، فمثلاً عند الأشخاص الذين يعانون من فقدان البصر منذ الولادة، نلاحظ أنهم يستطيعون الاعتماد على حواس اللمس، وتكوين صورة قريبة لما يلمسونه كما لو أنهم يرون ما يلمسون.

تبين أن هؤلاء الأشخاص يتمُّ تحويل جزءٍ من تنبيهات حسّ اللمس لديهم إلى القشرة القذالية من المخ، وهي منطقةٌ من المخ تكون عادةً متخصصةً بالتنبيهات البصرية القادمة من العين حيث تصل هذه التنبيهات إلى منطقةٍ محددةٍ من القشرة القذالية، وتُدعى V1 بينما لدى الأشخاص الذين لا يعانون من فقدان البصر لا نجد لديهم تنبيهاتٍ حسيةٍ لمسية لتصل إلى منطقة V1.

3- توسيع خريطة القدرات

تحتلُّ كل مهمةٍ معينةٍ قطاعاً معيناً من القشرة المُخيّة، وكلما ازدادت الخبرة والإتقان لهذه المهمة ازداد سطح القشرة المُخيّة المسؤولة عن تنفيذ هذه المهمة، ويصبح الشخص قادراً على إنجاز هذه المهمة بكفاءةٍ أكبر، وعلى العكس، فإذا أهمل المرء هذه المهمة بعد تعلمها، فإن مساحة القشرة المُخيَّة المسؤولة عن تنفيذ هذه المهمة ستصغر.

هذه الظاهرة تُلاحظ بشكلٍ واضحٍ لدى عازفي الموسيقى، لأن عزف الموسيقى هو مهمةٌ صعبةٌ ومعقدة، وتتطلب تدريباً طويلاً، ولكن مع التدريب يصبح عزف بعض المقطوعات الموسيقية الصعبة على البيانو مثلاً من المهمات السهلة، وذلك بسبب اكتساب الخبرة، وازدياد مساحة القشرة المُخيّة المسؤولة عن العزف، بينما التوقف عن العزف لفتراتٍ طويلةٍ سيجعل مهمة العزف مجدداً مهمةً صعبةً نسبياً، وذلك بسبب تقلص مساحة القشرة المُخيّة المسؤولة عن تنفيذ العزف.

4- الواجهة الحاسوبية الدماغية

أي إنشاء واجهة إدخالٍ لمنبهاتٍ معينة، ليتمَّ تفسيرها على أنها منبهاتٌ مختلفةٌ تماماً، ويتمُّ إجراء العديد من التجارب للاستفادة من المرونة العصبية لدى الأشخاص فاقدي البصر، ومن التجارب المشهورة التجربة التي تمَّت في عام 1969 في أمريكا حيث تمَّ وضع عددٍ كبيرٍ (حوالي 400 مجس) من المجسّات المهتزة على ظهر أشخاصٍ فاقدي البصر، وتمَّ ربط هذه المِجسّات بكاميرا بحيث تعمل هذه المِجسّات على تحويل الصورة إلى اهتزازاتٍ معينة.

وبالفعل استفاد المشاركون في هذه التجربة حيث استطاعوا بفضل هذه المِجسّات أخذ صورةٍ تقريبيةٍ عمّا يحيط بهم، وبسبب المرونة العصبية أصبح الدماغ قادراً على تفسير المُنبّهات الحسية اللمسية على أنها مُنبّهاتٌ بصريةٌ، كما لو أنها كانت تأتي من العين. وكما أن المرونة العصبية لها دورٌ مهمٌّ في ربط الآلة مع الدماغ، حيث أصبح ممكناً ربط قطاعاتٍ دماغيةٍ معينة بأجزاءٍ غير بشرية، كالقدرة على تحريك سيارة صغيرة عبر التفكير بذلك فقط، أو ربط دماغ القرد بذراعٍ آليةٍ يستطيع تحريكها عن بعد عبر التفكير فقط بذلك.

هذه التجارب يمكن في المستقبل القريب أن تكون العلاج الذهبي للذين يعانون من بترٍ في أحد أطرافهم بأن يستعيدوا وظيفة الطرف المبتور بشكلٍ كاملٍ عبر ربط طرفٍ آلي جديد مباشرة بالدماغ، حيث يمكن للشخص تحريك هذا الطرف مثل أي طرفٍ آخر لديه دون أي قيود. [2]

المراجع البحثية

1- Puderbaugh, M. (2023, May 1). Neuroplasticity. StatPearls – NCBI Bookshelf. Retrieved September 20, 2023

2- Neuroplasticity | Different Types, Facts, & research. (2023, July 28). Encyclopedia Britannica. Retrieved September 20, 2023

This website uses cookies to improve your web experience.