Published in: الفضاء

المذنبات

Author د. جاسم الفواز

Published on: 25 مايو، 2023

د. جاسم الفواز

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

في العصور القديمة كانت المذنبات (Comets) مصدراً للرهبة والخوف، فشُبّهت بالسيوف النارية التي تظهر في السماء بشكل غير متوقع، وفي كثير من الأحيان بدت وكأنها نذير هلاكٍ وشؤم، فأقدم الأساطير المعروفة ملحمة جلجامش البابلية ربطت الهلاك والدمار بوصول مذنب والإمبراطور الروماني نيرون اعتبر أنه أصابته (لعنة المذنب)، فتخلص منها بإعدام جميع خلفاء عرشه المحتَملين.

كما احتفظ الفلكيون الصينيون بسجلات مُكثّفة عنها لعدة قرون، بما في ذلك ملاحظات يُعتقد أنها تخصُّ مذنب هالي الشهير التي تعود إلى 240 قبل الميلاد على الأقل. لم يقتصر هذا الخوف على الزمن الغابر البعيد فقط إنما في العصر الحديث هنالك حوادث مشابهة، ففي عام 1910 قام الناس في مدينة شيكاغو بإغلاق نوافذهم لحماية أنفسهم مما اعتقدوا أنه ذيل المذنب السّام.

من الناحية العلمية اعتقد العلماء الأوائل أن المذنبات تسافر في الغلاف الجوي للأرض فقط، ولكن في عام 1577 كشفت الملاحظات التي قام بها عالم الفلك الدنماركي تيخو براهه (Tycho Brahe) أنها تسافر خارج الغلاف الجوي إلى ما بعد القمر، وبعدها اكتشف إسحاق نيوتن أنها تتحرك في مدارات بيضاوية الشكل حول الشمس، وتوقَّع بشكل دقيق أنها يمكن أن تعود بشكل دوري. ^[1]

ما هي المذنبات؟

هي كرات كبيرة من الصخور، والجليد، والغبار، والغازات، تحتوي على بقايا مُجمَّدة من النظام الشمسي البِكر أي إنها تشكلت منذ حوالي 4.6 مليار سنة، ويعتقد العلماء أنها كانت تضرب الأرض بشكل مستمر عندما كان النظام الشمسي صغيراً جداً، ويعتقد البعض أنها كانت مصدر الماء والمركبات العضوية في الأرض. ^[2]

يحتوي كل مذنب على جزء مُتجمّد (Frozen part) صغير يُسمّى النواة (Nucleus) التي يمكن أن تحتوي على الماء، والميثان، والنيتروجين، وغيرها من الجليد، ولا يزيد عرضها غالباً عن بضع كيلومترات، وتتسبب حرارة الشمس في تحوّل جليد المذنب إلى غازات ليتشكل حول النواة ما يُدعى بالذؤابة (Coma) قد تمتدُّ الذؤابة إلى مئات الآلاف من الكيلومترات حيث يساهم ضوء الشمس والرياح الشمسية بهذا الانتشار كما يؤدي ذلك إلى تكوين ذيل طويل ومشرق للمذنب. ^[3]

ماهي أنواع المذنبات؟

1- المذنبات قصيرة الأمد الدورية (Periodic)

ولها فترة دوران حول الشمس تقلُّ عن 200 عام، ولديها أيضاً ميل أقلّ من 35 درجة، وقد تعتقد أن 200 عام فترة زمنية طويلة، ولكن من منظور مذنب تُعتبر فترةً قصيرةً جداً. و تمتاز بسهولة فهرستها والتنبؤ بزمان مرورها بالقرب من الأرض، وأشهرها هو المذنب هالي الذي له فترة مدارية من 75 الى 76 سنة.

يتمُّ تصنيف المذنبات قصيرة المدى إلى فئتين:

أ- فئة هالي (Halley) مع فترة تزيد عن 20 عام.

ب- فئة عائلة المشتري مع فترة تقلُّ عن 20 عام.

قد يكون لها مدار قريب من الشكل الدائري أو الإهليلجي، وهو الأكثر شيوعاً.

2- المذنبات طويلة الأمد غير الدورية (Non-periodic)

لها فترة دوران تزيد عن 200 عام، ولها ميول عشوائية غير محددة حيث يمكن أن تعود بعد فترات تمتدُّ منذ آلاف إلى ملايين السنين أو لا تعود على الإطلاق، ولذلك يصعب اكتشافها وتصنيفها. يمكن تصنيف المذنبات ذات الفترة الطويلة غير العائدة بشكل أكبر، ويمكن أن تكون مداراتها بأشكال منها:

أ- مدارات القطع المُكافئ (Parabolic Orbits).

ب- المدارات الزائدية (Hyperbolic Orbits). ^[4]

تنشأ معظم المذنبات الدورية من حزام كايبر، وهناك أيضاً مذنبات دورية ذات مدارات أصغر كونها نابعة من حزام كايبر بينما حُدِّد تنبُّع المذنبات غير الدورية من سحابة أورت. ^[5]

لماذا للمذنبات هالة مضيئة وذيول مشرقة؟

تظلُّ معظم المذنبات كرات ثلجية مُجمّدة غير مكتشفة في الحواف الخارجية لنظامنا الشمسي. وتتجمد بشكل كامل عندما تكون بعيدةً عن الشمس، ويتغير مظهرها مع اقترابها من الشمس حيث تعمل الحرارة الشمسية على تدفئة المذنب، فيتشكل له ذيول تمتدُّ لمسافات كبيرة، ويكون للمذنبات نوعان من الذيول:

1- ذيل غبار (Dust tail) (يمكن رؤيته بالعين المجردة).

2- ذيل بلازما (Plasma tail) يسهل تصويره، ولكن يصعب رؤيته بالعين المجردة، وذيول المذنب تتجه بعيداً عن الشمس. ^[6]

كيف تتم تسمية المذنب؟

في الماضي تمَّ تسميتها باسم مُكتشفيها، مثل: المذنب هالي الذي سمّي على اسم مكتشفه إدموند هالي. أما في العصر الحديث تخضع أسمائها لقواعد جديدة وضعها الاتحاد الدولي للفلك (IAU) على الشكل الآتي:

إذا كان المذنب دورياً، فيتمُّ الإشارة إليه برمز( P / متبوعاً بسنة اكتشافه)، ثم حرف يشير إلى الشهر الذي تمَّ اكتشافه فيه (الشهر الأول يحمل الحرف A، وهكذا حسب الترتيب الأبجدي)، ويتبع الحرف الذي يشير للشهر برقم يشير إلى ترتيب هذا المذنب بهذا الشهر. أما إذا تمَّ اكتشاف مذنب بشكل مستقلّ من قبل ثلاثة أشخاص مثلاً: (علي، وجواد، ونضال)، فيمكن أيضاً أن يطلق عليه اسم المذنب: (علي، جواد، نضال) حيث تُضاف هذه الأسماء إلى تسميته الرسمية التي أشرنا إليها سابقاً. ^[7]

مثال: المذنب C/2022 E3 حيث يشير الحرف (C) إلى أنه غير دوري، (2022) يصادف العام الذي تمّ اكتشافه، ويُظهر (E3) أنه كان ثالث مذنب يُكتشف في الشهر الخامس. ^[8]

كم يبلغ عدد المذنبات المكتشفة لليوم؟

وفقاً لوكالة ناسا وحتى بداية عام 2023 يبلغ العدد الحالي للمذنبات المعروفة 3743، وعلى الرغم من أنه يُعتقد أن مليارات أخرى تدور حول الشمس وراء نبتون في حزام كايبر وسحابة أورت. أحدث مذنب يتصدر عناوين الصحف هو المذنب الذي تمَّ اكتشافه مؤخراً C/2022 E3 المذنب الأخضر الجميل، والذي مرَّ بقربنا في 1 شباط 2023، ويمرُّ في حدود 42 مليون كيلومتر حيث مرَّ بمنطقتنا قبل 50000 عام، مما جعل آخر من رآه قبل هذه المرة هو الإنسان البدائي.

بعض المذنبات التي تُسمَّى راعي الشمس (Sungrazing comet)‏ تتجه مباشرةً نحو الشمس، وكأنها تذهب إلى مقبرتها بنفسها، فتقترب منها لدرجة أنها تتفكك وتتبخر.

ماهي أشهر المذنبات؟

من المحتمل أن يكون مذنب هالي هو أشهرها في العالم لاحظه عالم الفلك البريطاني إدموند هالي في عام 1682، وتوقع بشكل صحيح أنه سيعود في عام 1757، ويصبح مرئياً للعين المجردة كل 75 عام تقريباً عندما يقترب من الشمس. عندما اقترب مذنب هالي من الأرض في عام 1986 حلقت خمس مركبات فضائية بالقرب منه، وجمعت تفاصيل غير مسبوقة، واقتربت بدرجة كافية لدراسة نواته، والتي عادةً ما تخفيها غيبوبة المذنب.

يحتوي المذنب الذي يشبه حبة البطاطس، والذي يبلغ طوله 15 كم على أجزاء من الجليد والغبار حيث 80 بالمئة من الجليد فيه مصنوع من الماء، وحوالي 15 بالمئة منه يتكون من أول أكسيد الكربون المجمّد. يعتقد الباحثون أن المذنبات الأخرى تشبه كيميائياً مذنب هالي كما لوحظ أن نواته سوداء داكنة للغاية بشكل غير متوقع، فسطحه مُغطّىً على ما يبدو بقشرة سوداء من الغبار فوق معظم الجليد، ولا يطلق الغاز إلا عندما تتعرض الثقوب الموجودة في هذه القشرة الجليد إلى الشمس.

في عام 2021 وجد العلماء ما يمكن أن يكون أكبر مذنب شوهد على الإطلاق وهو مذنب برناردينيلي برنشتاين (Comet BernardinelliBernstein) الذي اكتشفه طالب الدراسات العليا بجامعة بنسلفانيا بيدرو برناردينيلي والفلكي غاري برنشتاين، ويقدر علماء الفلك أن هذا الجسم الجليدي يبلغ قطره من 100 كيلومتر إلى 200 كيلومتر حيث سيقترب من أقرب نقطة له إلى كوكبنا في عام 2031. ^[1]