Skip links

الكناية – أركانها، أقسامها وجمالياتها

هي مصدر كَنيتُ عن كذا بكذا، أَكني وأَكنو، وتعرّف في اللغة بأنها الكلام على الشيء على نحوٍ غير مباشر، أو أن تتكلّم بشيء وأنت تريد غيره، أو التعبير عن المعنى المطلوب بمعنى آخر، وهي نقيض الإيضاح والمُصارحة، ونوعٌ من الإخفاء والتغميض. أما في الاصطلاح البلاغي، فهي لفظٌ أُريدَ به لازم معناه الوضعي مع جواز إرادة ذلك المعنى مع لازمه من غير وجود قرينةٍ تمنع المعنى الظاهر المباشر من غير تأوّل، وقد كان كثيراً في أقوال العرب، كقولهم: “فلانٌ كثيرُ الرَّماد” كناية عن جود الرجل وكرمه، وقولهم: “فُلانٌ لا تُقرَع له العصا”، وهي كناية عن الذكاء والفِطْنة. [1] [2]

أركان الكناية

للكناية ركنان هما:

1- المُكنَّى به

هو المعنى غير الحقيقي للعبارة، وهو المعنى المذكور الذي يلزم منه معنىً آخر.

2- المُكنَّى عنه

هو المعنى الحقيقي الذي نخفيه بالمكنّى به، وهو المعنى المقصود.

أما العلاقة بين الركنين، فهي علاقة تلازُم يستدعي أحدهما الآخر في الذهن. ومن أمثلته في القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى عن المسيح وأمه عليهما السلام: ﴿كانا يأكُلانِ الطَّعام﴾ {المائدة75}، فالمعنى الحقيقي الظاهر من التعبير هو تناولهما للطعام، وهو فعلٌ يقوم به كلُّ الناس، وهذا هو المعنى الوضعي، ولازم هذا المعنى هو (قضاء الحاجة)، وهو المعنى المقصود، وما دلّ عليه هو السّياق، فالكناية هنا عن صفة البشرية، وذلك بذكر مَلزومها، وهو (قضاء الحاجة)، مع جواز إرادة المعنى الأول. أما في الشعر، فيقول الشاعر حسّان بن ثابت مادحاً الرسول الكريم:

خُلِقتَ مبرَّأً من كلِّ عيب
كأنَّكَ قد خُلقتَ كما تشاءُ

فالمعنى الوضعي الحقيقي أنه خُلقَ كما يريد، والمعنى الثاني المجازي أنه خُلِقَ خالياً من العيوب، وهو المعنى المقصود مع إرادة المعنى الأول مع لازمه. وقد يمتنع المعنى الحقيقي، ويُراد المعنى المَجازي، كقوله تعالى: ﴿الرَّحمنُ على العَرشِ اسْتوَى﴾ {طه5}، فالكناية هنا عن صفة الاستيلاء والملك، وهو المعنى المجازي المُراد المقصود، والمعنى الوضعي الحقيقي هو استقام واعتدل، وقد أُريد المعنى المجازي، وامتنع المعنى الحقيقي. [1] [2]

أقسام الكناية

تُقسم الكناية من حيث المُكنَّى عنه إلى ثلاثة أقسام، وهي:

1- الكناية التي يُراد بها صفة

حيث يذكرُ المتكلّم موصوفاً، وينسبُ إليه صفةً غير مقصودةٍ في ذاتها، ولكن يُستدلُّ منها على صفةٍ أخرى، وهي التي يقصدها المتكلّم، وهي صفاتٌ معنوية، (كالكرم، والشجاعة، والذكاء، والنُبل..).

أنواع الكناية عن صفة

 ولهذه الكناية نوعان:

1- قريبة

حيث ينتقلُ فيها ذهن المتلقّي من المعنى الوضعي إلى المعنى المقصود بشكلٍ مباشر، فيكون زمن إدراك المعنى المُراد قصيراً، ولها حالتان:

● واضحة: يكون انتقال الذهن إلى المعنى المقصود سهلاً، كقول الشاعرة الخنساء في مدحِ أخيها صخراً:

طويلُ النجادِ رفيعُ العماد
كثيرُ الرَّمادِ إذا ما شَتا

فالموصوف هنا هو صخر، وقد نُسبت إليه عدة صفات (طول النجاد) أي طويل حمائل السيف، وهي ليست الصفة المقصودة، فالصفة المُرادة هي (طول القامة)، فإن طول النجاد يستوجب طول القامة. أما (رفيع العماد)، فهي كناية عن صفة (السيادة)، فالكناية سهلة وواضحة.

● خفيّة: لا يستطيع ذهن المُتلقّي معرفة المعنى المقصود إلا بعد تأمُّلٍ وتفكير، كقوله تعالى: ﴿ولو كنْتَ فظّاً غليظَ القلبِ لانفضّوا من حولك﴾ {آل عمران159}، وهي كنايةٌ عن الجفاء والقسوة، فغِلظة القلب معروفةٌ عند العرب، والانتقال من غلظ القلب إلى الجفاء والقسوة يحتاج إلى التأمُّل.

2- بعيدة

ينتقل فيها الذهن من المعنى الوضعي إلى المعنى المُراد بوسيط، فهي تحتاج زمناً لإدراك المقصود منها، كقول الشاعر الحضرمي:

قد كانَ تعجبُ بعضهنَّ براعتي
حتى رأيْنَ تَنحنُحي وسُعالي

كناية عن كبر السن، وذلك بوسائط دلّت عليها، وهو التّنحنُح والسُّعال اللذان يدلان على تقدّمه في السن. [1] [3] [4]

2- الكناية عن موصوف   

حيث يذكر فيها المتكلّم الصفة، ويُكنّى بها عن الموصوف، فينتقل الذهن من تلك الصفة إلى المُتخصِّص بها أكثر من غيره، كقول: “جاء هاذمُ اللذّات ومُفرّق الجماعات”، فهذه كناية عن موصوف، وهو الموت، حيث تُذكر صفة هذم اللذات، وهي مختصّةٌ بالموت، ومُتعارفٌ عنها بين الناس، فينتقل الذهن من صفة هَذْم اللذات إلى الموصوف الموت.

أنواع الكناية عن موصوف

 ولهذه الكناية نوعان:

1- الكناية بمعنى واحد

حيث تختصُّ الكناية بموصوفٍ معينٍ، كما في المثال السابق، كقول الشاعر البحتري:

فأتبعتها أخرى فأَضللْتُ نصلها
بحيث يكونُ اللبُّ والزّغب والحقدُ

فهذه كنايةٌ عن موصوفٍ واحدٍ، وهو القلب.

2- الكناية بجملةٍ من المعاني

حيث تختصُّ عدّة صفاتٍ مُجتمعة بموصوفٍ واحد، كقوله تعالى: ﴿أوَ من يُنشّأُ فيي الحليةِ وهو في الخصامِ غيرُ مُبين﴾ {الزخرف18}، فهذه كنايةٌ عن النساء، فإن صفات (التربية في الترف)، و(لبس الحلي)، و(نقص القدرة على إقامة الحجّة)، فعند ذكر هذه الصفات نجد أنها تختصُّ بموصوفٍ واحدٍ معيّن، وهنَّ (النساء).

3- الكناية عن نِسبة

حيث يُصرَّح فيها بالصفة والموصوف ولا يُصرَّح بالنِّسبة بينهما، بل يُصرَّح بنِسبةٍ أخرى خارجية تستلزم هذه النِّسبة، أي تتوارى النِّسبة المقصودة وراء النِّسبة المذكورة، ومنه قول الشّنفرى يصف امرأةً بالعفّة والنزاهة:

يبيتُ بمنجاةٍ من اللَّومِ بيتها
إذا ما بيوتٌ بالملامة حُلّتْ

فالكناية هنا عن نفي اللوم عن المرأة، حيث صرّح بالموصوف، وهو المرأة عن طريق ضمير الغائب (الهاء) الذي يعود عليها ثم جاء بصفةٍ أخرى، وهي (نفي اللوم عن بيتها)، ولم يُصرّح بالنِّسبة بينهما، بل صرّح بنِسبةٍ أخرى، حيث استدلّ بهذه النسبة عن النِّسبة المُرادة، وهي (نفي اللوم عنها)، وكذلك الأمر بالنسبة إلى إذا ما بيوتٌ بالملامة حلّت، حيث كنّى عن اتصاف ساكنيها يالملامة، ونسبتها إلى النساء الأخريات.

أنواع الكناية عن نسبة

ولهذه الكناية نوعان:

1- ما يُذكر فيها صاحب النسبة المُرادة، كقول الشاعر أبو الطيّب المُتنبّي في مدح كافور:

إنّ في ثوبكَ الذي المجدُ فيهِ
لضياء يُزرى بكلّ ضياءِ

فقد أثبت المجد لكافور عن طريق نسبته إلى ثوبه، وذكر صاحب النِّسبة عن طريق الضمير (كاف الخطاب) الذي يعود عليه.

2- ما لا يُذكر فيه صاحب النِّسبة المُرادة، كما في قول الرسول الكريم ﷺ: “المسلمُ من سَلمَ المسلمونَ من لسانه ويده”، فهنا نسبة نفي صفة الإسلام عن الشخص المُؤذي، وهو غير مذكورٍ في الحديث الشريف. [1] [3] [4] [5]

أٌقسام النِّسبة تبعاً للوسائط (اللوازم) والسّياق

تُقسم تبعاً للوسائط إلى أربعة أقسام، وهي:

1- التعريض

هو في اللغة خلاف التصريح، وفي الاصطلاح هو إطلاق الكلام والإشارة به إلى معنىً آخر يُفهم من السياق، كقولك: “رحمَ اللهُ امرأً عرفَ حدّه فوقف عنده”، فهذه كنايةٌ من قبل التعريض بأن صاحبكَ قد تجاوزَ حدودهُ معك.

2- التلويح

هو في اللغة الإشارة إلى الغير من بعيد، واصطلاحاً هو الكناية التي تكثرُ فيها الوسائط بين اللازم والمَلزوم، وسمّيت بذلك لبُعد المطلوب، ومنه قول: “كثير الرماد” والتي هي كنايةٌ عن الجود، ولكن كثُرت الوسائط في هذه الكناية، فكثرة الرماد تعني كثرة إحراق الحطب، أي كثرة الطبخ، وكثرة الأكل، ومنه كثرة الضيوف، وبذلك ننتهي إلى صفة الجود.

3- الرمز

هو في اللغة الإشارة إلى قريبٍ منك خفيةً بشفةٍ، أو حاجب، أو بكليهما، وفي الاصطلاح هو الكناية التي قلّت وسائطها مع خفاء اللزوم، ومنه قول الشاعر:

عريضُ القفا ميزانهُ في شمالهِ
قد انحصّ من حسب القراريطِ شاربه

ففي هذا البيت ثلاث كناياتٍ استخدم فيها الرمز لقلة الوسائط مع خفاء اللزوم، وهي (عريض القَفا) كنايةٌ عن الحماقة والبلاهة، (أما ميزانه في شماله)، فهي كنايةٌ عدم القدرة على ضبط النفس وإحكامها، والكناية الثالثة هي (وانحص من حسب القراريط شاربه)، أي اهتمامه بالأمور التافهة التي لا يهتمُّ بها ذوو الهمم.

4- الإيماء أو الإشارة

وهي كنايةٌ قلّت وسائطها مع وضوح اللزوم، وقد سمّيت بذلك لوضوح دلالتها، فالإيماء هو إشارةٌ واضحة إلى القريب منك، كقول الشاعر الشَّنْفرى يذكر امرأة:

لقد أعجبتني لا سقوطاً قناعها
إذا ما مشتْ ولا بذاتِ تلفُّتِ

فهنا كنايتان، وهما الكناية عن حياء المرأة، واللزوم هما بين سقوط القناع والحياء، والكناية عن عفَّتها، واللزوم هو عدم تلفُّتها. [1] [3] [4]

جماليات الكناية وبلاغتها

هي من طرق الإيجاز في الكلام، وتمتاز بقدرةٍ تعبيريةٍ عالية، وهي أبلغ من التصريح وأجمل من التوضيح، حيث تسمح للمتلقّي أن يتخلّى عن الألفاظ التي يكون وَقْعها قبيحاً، والمعاني غير المُستساغة إلى ما هو أجمل وأفضل وَقْعاً على الآذان، مما يجعل البُلغاء يفضلونها على غيرها من الأساليب البلاغية، ويجعلون منها زينةً لكلامهم، فتحظى بالقبول لدى المتلقّين، لما لها من القدرة على إعمال الذهن، ومضاعفة التفكير لمعرفة المقصود من الكلام، فتَحدثُ في النفس متعة الكشف وبهجة التعرُّف، ومن أهمّ جماليات هذا الأسلوب:

1- تجويد الصورة التي يخرج فيها المعنى بطريقةٍ تلفت انتباه المتلقي، وتجذب إليه الأفهام، فهنالك فرقٌ كبيرٌ بين قولك: “احذروا ثورةَ فلانٍ وغضبه وصَوْلته”، وقول الشاعر الفرَزْدق في نفس المعنى:

إذا مالكٌ ألقى العِمامةَ فاحذروا
بوادرَ كفّي مالكٍ حين يغضبِ

2- تأكيد المعنى وإثباته بطريقةٍ تبعث الطمأنينة في النفس، حيث يقول عبد القاهر الجرجاني في ذلك: “أمّأ الكنايةُ فإنَّ السّبب في أنْ كان للإثبات بها مزيةٌ لا تكون للتصريح أنْ كلّ عاقلٍ يعلمُ إذا رجع إلى نفسه أنّ إثبات الصّفة بإثباتِ دليلها وإيجابها بما هو شاهدٌ في وجودها آكدُ وأبلغُ في الدّعوى من أن تجيء إليها فتثبتها هكذا ساذجاً غُفْلاً”.

3- الحصول على المعنى من معنىً آخر، مما يضاعف شعور العقل بالابتهاج بعد الكشف والتعرُّف، وذلك بعد طول البحث والشوق لمعرفة المعنى.

4- عرض المعاني التي لا يستسيغها الذوق، وتكون مكروهةً للسمع بطريقةٍ لطيفة، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿فلا رفثَ ولا فُسوقَ ولا جِدالَ في الحَجّ﴾ {البقرة197}، فالكناية هنا عن تحريم إتيان هذه الأمور في الحج.

5- الكناية تتيح عن طريق الرمز والإيحاء أن تُعبّر عن كل ما يدور في خاطر المرء سواءً أكان قبيحاً أو حسناً، حلالاً أو حراماً دون الخوف من اللوم أو الحرج، وتلك المزيّة التي تنفرد بها الكناية عن غيرها من وسائل البيان، ومن ذلك قول الشاعر امرؤ القيس كنايةً عن المرأة الجميلة:

وبيضةِ خدرٍ لا يُرامُ خِباؤها
تمتّعتْ من لهوٍ بها غيرَ مُعْجَلِ

6- تصوير المعاني الدقيقة ومكنونات الصدور التي يعجَز التصريح بها. [1] [4]

الفرق بين الكناية والمَجاز

فرقٌّ البلاغيون بينهما، حيث يجوز في الكناية إرادة المعنى الوضعي مع إرادة لازمه، فالكناية لها معنيان قريبٌ ظاهر وبعيدٌ خفيّ، وهو المُراد، والمعنيان مقبولان، فهي بذلك تختلف عن المَجاز الذي لا يجوز فيه إرادة المعنى الوضعي لوجود القرينة التي تمنع إرادته، كقول: ” الشمسُ لا تُخفى بالغربال”، والتي تُقال لمن يتستّر على أمرٍ واضح، فالمعنى الوضعي ممتنعٌ تماماً، والقرينة حالية. لكن أحياناً في الكناية يمتنع أيضاً إرادة المعنى الوضعي مع لازمه، كما في قوله تعالى: ﴿والسّماواتُ مطوياتٌ بيمينه﴾ {الزمر74}، والتي هي كناية عن قوّة التمكُّن وكمال القدرة، فالمعنى الوضعي للطيّ باليمين ممتنعٌ لخصوصية الموضوع التي تمسُّ الذات العليّة. [1] [4] [5]

المراجع البحثية

عيسى علي العاكوب -1. (2005e). فن الكناية. In المفصل في علوم الإعراب (pp. 535–553). essay, مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية. Retrieved November 12, 2024

2- أحمد الهاشمي .(2023) .الكناية .جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع. وكالة الصحافة العربية. Retrieved November 12, 2024

3- يوسف طارق جاسم السامرائي . (2020). أوجه البلاغة نحو تقريب البلاغة وتأصيل أوجهها النقدية. دار الكتب العلمية. Retrieved November 12, 2024

4- أحمد، عماّر إسماعيل. (2020). الكناية بين الحقيقة والمجاز. الكناية في الحديث النبوي الشريف في صحيحي البخاري ومسلم. دار الكتب العلمية. Retrieved November 12, 2024

5- دار القلم للطباعة والنشر التوزيع – بيروت / لبنان. (2023). موسوعة علوم اللغة العربية : علوم البلاغة علم العروض. Retrieved November 12, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.