الكتابة الهيروغليفية – محاولات اكتشافها وفكّ رموزها
قائمة المحتويات
ما هي الكتابة؟
تعدُّ الكتابة من أهمّ الإنجازات الحضارية التي وصل إليها الإنسان منذ بداية الخليقة، وحتى يومنا هذا، والتي كانت ولا تزال لها الدور الأساسي في دفع خطا الحضارة الإنسانية إلى الأمام، فهي الوسيلة الوحيدة التي كان لها صفة الثبات والديمومة، كما أنها وسيلة إعلامٍ وتعارفٍ بين الناس والشعوب.
وقد استطاعت الكتابة منذ نشأتها نقل المعارف والعلوم إلى الأجيال اللاحقة، ولكنها مرت بمراحل وأشكال عديدة حتى وصلت إلى شكلها الحالي الذي ندعوه “الأبجدية”، وليس من الضروري أن تكون مراحل نشأة الكتابة وتطورها متتابعةً عند كل الشعوب، فقد تتلاحق عند شعبٍ ما، أو تتوقف عند مرحلةٍ ما، أو تتزامن لدى شعبٍ آخر.
ولكن أغلب الشعوب مرت بالمرحلة الأولى، والتي هي المرحلة البدائية التصويرية بأشكالها المختلفة، وما زالت بعض الشعوب لا تعرف سواها، كالشعب الصيني، والياباني مثلاً. وسنتحدث في مقالتنا هذه عن الكتابة الهيروغليفية التي هي من الكتابات التي اعتمدت مبدأ الكتابة التصويرية. [1]
الحضارة المصرية القديمة
يرجع تاريخ نشوء الحضارة المصرية القديمة إلى 3150 قبل الميلاد، فهي تُعتبر من أقدم الحضارات، وقد تركّزت في منطقة نهر النيل في مصر. أول ملك لها كان الملك مينا الذي وحّد مصر العليا والسفلى، وقد ضمّت العديد من الممالك المستقرة، وتوالى على حكمها الكثير من الملوك والملكات، وكان يطلق على ملوكها تسمية (الفراعنة).
كان يعمل المصريون في الزراعة بسبب طبيعة التربة الخصبة الملائمة، كما أنهم كانوا بارعين في فنّ العمارة، حيث بنوا الأهرامات التي تعتبر من عجائب الدنيا في البناء، وهم أول من عرف مبادئ الكتابة الهيروغليفية، التي أُخذت عن رموز نباتات وحيوانات وادي النيل. [2]
تاريخ الكتابة الهيروغليفية
ظهرت الكتابة الهيروغليفية في أواخر الألف الرابع وبداية الألف الثالث قبل الميلاد، بعد فترةٍ قصيرة من ظهور الكتابة المسمارية، وقد ظهرت لأول مرة في مخطوطٍ رسمي ما بين سنتي (3300 و3200) قبل الميلاد، وهي كتابة بكتوجرافية (ترمز للأشياء بالصور).
احتلُّت الكتابة الهيروغليفية المقام الأول في الكتابات البدائية التصويرية، وهي كتابة تصويرية بالإضافة إلى وجود حروفٍ أبجديةٍ فيها، ولكنها أبجدية معقدة، وتختلف اختلافاً كاملاً عن الأبجدية المعروفة حالياً. اقتصر انتشارها على مناطق وادي النيل، فهي الكتابة الأولى التي كتب بها المصريون القدماء.
وقد اشتقّت تسميتها من الكلمتين اليونانيتين (هيروس) و(غلوفوس)، وتعنيان الكتابة المقدسة، وذلك نظراً لكتابتها على جدران الأماكن المقدّسة، كالمعابد والمقابر. وكانت تُكتب على ورق نبات البردي الذي دعاه اليونانيون Papyros، وأيضاً كانت تُنقش بشكلٍ بارزٍ أو غائر على الأحجار، والجدران الثابتة، والآثار المنقولة، مثل: التماثيل، واللوحات. [1] [3] [4]
تصنيف الأبجدية الهيروغليفية
تُصنّف الأبجدية الهيروغليفية في ثلاث مجموعات، وهي: [4]
1- المجموعة الأولى: تضمّ الحروف الأحادية الصوت.
2- المجموعة الثانية: تضمّ الحروف الثنائية الصوت، أي رمزٌ أو نقش، ولكن يُنطق بحرفين.
3- المجموعة الثالثة: تضمُّ الحروف ثلاثية الصوت، أي رمز أو نقش واحد، ولكن يعني ثلاثة.
محاولات العرب لاكتشاف معاني الكتابة الهيروغليفية
اهتمّ العرب بهذه الكتابة، وأطلقوا عليها لغة العصافير بسبب وجود الكثير من صور العصافير فيها، ومن أمثلة ذلك: طائر العُقاب كان يرمز للحرف (أ)، وفرخ السمّان كان يرمز للحرف (و)، والبومة كانت ترمز للحرف (م).
وقد ظهر اهتمامهم من خلال المخطوطات التي تركوها، ومنهم:
● العالم ابن وحشية النبطي الذي استطاع معرفة القيمة الصوتية الهيروغليفية، في دراسته (شوق المُستهام في معرفة رموز الأقلام)، واكتشف أن هذه العلامات التي تأتي في نهاية الكلمة هي مخصصات تساعد على تحديد معاني المفردات.
● أما العالم الكيميائي ابن حيان، فقد كان من المهتمين بفكّ رموزها للوصول إلى المعادلات الكيميائية، التي تكشف طريقة تحويل المعادن العادية إلى معادن ثمينة.
● أما العالم المقريزي، فقد اهتمّ بالخط الهيروغليفي، واستطاع ترجمة بعض النصوص المصرية القديمة.
● ومن العلماء العرب الذين استطاعوا قراءة النصوص المكتوبة على المعابد العالم ذو النون المصري، والذي ترك مؤلفاتٍ تضمنت دراساتٍ حول الكثير من الكتابات، ولا سيّما الهيروغليفية، مثل: (حل الرموز)، و(برأ الأرقام في حل الرموز والأقلام)، حيث وردت بعض علامات الهيروغليفية فيها مصحوبةً بالقيمة الصوتية كما كان يتصورها.
وهذا كان حال الكثير من علماء العرب الذين اهتموا بهذه الكتابة، وظهر اهتمامهم واضحاً من خلال النصوص التي تركوها، والتي أظهرت مدى اهتمامهم بمعرفة الدلالة الصوتية، والمعاني، والحروف للكتابة الهيروغليفية. [3]
محاولات الغرب لاكتشاف معاني الكتابة الهيروغليفية
اهتمَّ الغربيون بالكتابة الهيروغليفية منذ القرن الخامس الميلادي، حيث ظهرت المحاولات الأولى لفكّ طلاسم الهيروغليفية التي كان يُعتقد بأنها الشاهد الأخرس على الوحي الضائع، وأنها تحوي هالةً من السحر، ومن أبرز هذه المحاولات:
● وضع الباحث هور أبوللون كتابين عن الهيروغليفية في عام 390 ميلادي، وكان قد كتبهما باللغة القبطية، حيث درس فيها الكتابات المُبهمة، فقد جاء في كتابه أن النسر هو (الأم)، والابن هي صورة (الإوزة)، وكانوا يعبرون عن الإنسان الحقير بصورة (الخنزير).
● أما الأب جان جاك بارتملي، فقد نشر بحثاً له حول ترجمة الكتابة الهيروغليفية عام 1791، فقد اقترح أن الرموز الهيروغليفية التي كانت موجودةً ضمن حلقاتٍ بيضوية ربما تكون أسماءً ملكية.
● وتوصل الباحث أرفني كارستين نيبور إلى أساس فكّ الكتابة الهيروغليفية من خلال ملاحظتين توصل لهما بعد نجاحه في تصوير العديد من النقوش المصرية، وهما:
1- الفرق الواضح بين الرموز الكتابية الكبرى والصغرى تجعل من الرموز الصغرى تفسيراً ومعانٍ للرموز الكبرى، وهي تحمل ملامح الأبجدية، لذلك يمكن فكّها من خلال الاستعانة باللغة القبطية.
2- اعتبر أن عدد الهيروغليفيات غير كبيرٍ نسبياً، لذلك من الصعب اعتبار المصرية كلها كتابة أديوغرافية.
وقد استمر الجدل بين الغربيين حول هذه الكتابة حتى أن البعض افترض أن الصينيين كانوا مستعمرةً لمصر، واستمدت كتابتها من الكتابة المصرية، إلى أن اكتشف حجر رشيد المشهور. [2] [3]
حجر رشيد وفكّ الرموز الهيروغليفية
اكتُشف حجر رشيد من قِبل الفرنسيين عند قيام نابليون بونابرت بحملته على مصر، وهو حجرٌ غريب من البازلت الأسود كُتب علية بثلاث لغاتٍ مرتبة من الأعلى إلى الأسفل الهيروغليفية، والديموطيقية، واليونانية، ويعود تاريخه إلى عصر بطليموس الخامس الذي حكم مصر عام 197 قبل الميلاد.
وقد حلَّ رموزه عالم الآثار الفرنسي جان فرانسوا شامبيليون عام 1822 ميلادي، وذلك من خلال مقارنة الحروف اليونانية مع مثيلاتها من حروف الهيروغليفية، واستطاع قراءتها دون فهم معناها ثم تمكن من ترجمتها وفهمها من خلال دراسة اللغة القبطلية، (والتي هي مزيجٌ من اليونانية القديمة والديموطيقية)، وقد ميز فيها أسماء الملوك التي كانت توضع ضمن خرطوشة (مستطيلات)، كاسم الملك بطليموس كما وجد اسماً آخر وضع في مسلة فيلا، وهو اسم الملكة كيلو بترا، والنص كان إعلاناً عادياً للاحتفال بعهد بطليموس الخامس وأخته كيلوبترا.
اكتشف شامبيليون من خلال المقارنة بين الأسماء الملكية أنها لم تكن تحوي إلا حروفاً هجائية، كما استطاع أيضاً من خلال هذه المقارنة معرفة ثلاثة حروف بشكلٍ يقيني، وهي: I ،P ،C، كما توصل إلى معرفةٍ افتراضيةٍ لتسعة حروف، وهي: A ،E ،D ،T ،I ،N ،M ،O.
ولم يتوقف شامبيليون عند هذا الحد، فقد أثبت أن الكتابة الهيروغليفية ليست كتابةً رمزيةً بحتة، ولا هجائيةً بحتة كأسماء الملوك التي وردت في الخانات. وُضع هذا الحجر في إحدى المتاحف المصرية، وبعد هزيمة الفرنسيين على يد الإنكليز بحثوا عنه لعلمهم بقيمته الكبيرة، وعند عثورهم عليه أخذوه إلى لندن، ووُضع في المتحف البريطاني، ولا يزال موجوداً فيه حتى يومنا هذا. [5] [6]
المراجع البحثية
1- أحمد رحيم هبو. (2004b). الكتابة. تاريخ العرب قبل الإسلام (pp. 63–64). essay, مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية. Retrieved June 20, 2024
2- علي إبراهيم حسن. (2018). عوامل قيام الحضارة المصرية القديمة. الحضارة المصرية والحضارات الشرقية في العصور القديمة. Retrieved June 20, 2024
3- الهيروغليفية الشاهد الأخرس. (n.d.). حكاية الهيروغليفية. Retrieved June 20, 2024
4- أسامة زيد وهبة الصيادي. (2017). الكتابة. أهم الاختراعات والاكتشافات في تاريخ الإنسانية. Retrieved June 20, 2024
5- G. Mokhtar. (1986). حضارات إفريقيا القديمة. تاريخ إفريقيا العام (pp. 28–30). Retrieved June 20, 2024
6- يعقوب موزر. (2023). جان فرانسوا شامبيليون. جان فرنسوا شامبليون كاشف الكتابة واللغة الهيروغليفية. Hindawi Foundation. Retrieved June 20, 2024