القدرة الذهنية للعقل البشري – كيف تتكون؟ أهمُّ النصائح لتوسيعها
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
ما هو المميز في العقل البشري؟ كثيراً ما نسمع بأن الإنسان هو الكائن الحي العاقل الوحيد، وجميع الكائنات الأخرى هي كائنات غير عاقلة، فما هو الشيء الذي يجعلنا نحن البشر “عقلاء”؟ منذ لحظات ولادة الإنسان الأولى، وهو في تعرّضٍ مستمر لكمٍّ هائلٍ من المعلومات التي لا يكون لها أي معنى في البداية، إلا أنه خلال مراحل نموه المختلفة يكتسب العديد من الخبرات، وتتطور قدراته الجسدية والذهنية بشكلٍ كبير خلال فترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ نسبياً.
والفضل في ذلك يعود لقدرة العقل البشري على التطور، واكتساب خبراتٍ جديدة باستمرار، فإمكانات العقل البشري لا يمكن تحديدها بسعةٍ معينة أو مجالٍ معين على عكس الذكاء الصنعي الذي مهما تطور يبقى محدوداً بما يحويه من قاعدة بيانات، والتي تحتاج إلى تحديثٍ مستمر لضمان كفاءته.
إن دراسة آلية تطور العقل البشري، وتنمية القدرات الذهنية تعتمد بشكلٍ رئيسي على فهم آليتين رئيسيتين، وهما: آلية تخزين الذاكرة ضمن الدماغ، وآلية اكتساب مهاراتٍ وخبراتٍ جديدة. بدايةً يجب أن نحدد ماذا نقصد بالقدرات الذهنية وبشكلٍ أبسط كيف نحدد الذكاء البشري.
تعريف الذكاء البشري، وكيف يوسع الدماغ قدرته الذهنية؟
رغم بساطة المصطلح، إلا أنه لا يمكن تحديد مميزات الذكاء البشري (Human intellgance)، لذا نجد اختلافاً واضحاً ببين مدارس الأدب الطبي لتعريف مصطلح الذكاء البشري، فمثلاً: يذكر العالم كارل بيريتر الذكاء والقدرات الذهنية البشرية بأنها: “ما تستخدمه عندما لا تعرف ماذا تفعل”.
أما حديثاً تمّ وصف القدرات الذهنية بشكلٍ عام على أنها تشتمل التفكير، والتخطيط، وحل المشكلات، والتفكير المجرد، وفهم الأفكار المعقدة، والتعلم بسرعة، والتعلم من التجربة، إلا أن هذا التعريف لا يشمل الذكاء البشري بشكلٍ كامل، ولا يصف القدرات الذهنية المختلفة والفريدة التي يمتلكها كل إنسان.
بشكلٍ عام يتميز العقل البشري بقدرته على التكيف مع التغيرات المحيطة به، والتعامل معها خلال فترةٍ قصيرةٍ من التعرض إليها، كما يتميز بقدرته على تغيير الظروف التي لا يستطيع التعامل معها بشكلٍ جيد مثلاً أول اختراعٍ بشري كان النار، وذلك لأن الجسم البشري غير قادرٍ على التكيف مع البرودة، وهذه القدرة على تغيير الظروف المحيطة لتحسن حياة الفرد هي تجسيد لمصطلح الذكاء البشري.
تنمو القدرات الذهنية لكل إنسان في كل يوم، وفي كل ساعة، ويكتسب الإنسان الخبرات والمعارف عبر تجاربه التي يمر بها في حياته، لتحقيق هذا التطور المستمر يعمل الدماغ على توسيع قدراته بالاعتماد على ما يسمى بالمرونة العصبية (Neuroplasticity)، وبعد تحقيق الإدراك الكامل الصحيح يتمّ تخزين هذه الخبرة في ذاكرةٍ طويلة الأمد ليحقق الاستفادة المثلى من هذه التجارب. [1] [2] [3]
1- المرونة العصبية
المرونة العصبية هي قدرة الدماغ على التغيير والتكيف بسبب الخبرة، وهو مصطلح شامل يشير إلى قدرة الدماغ على تغيير أو إعادة تنظيم أو تنمية الشبكات العصبية، ويمكن أن يشمل ذلك تغييراتٍ وظيفية بسبب تلف الدماغ أو تغييرات هيكلية بسبب التعلم، أي أن المرونة العصبية تقسم إلى نمطين:
● المرونة الهيكلية: وهي التي تصنف التغيرات الحاصلة في الدماغ بسبب التعلم، واكتساب خبراتٍ جديدة.
● المرونة الوظيفية: وهي التي تسعى للتكيف مع التغيرات الناتجة عن أذيات ضمن الدماغ.
تحدث المرونة الهيكلية عند تولد ارتباطٍ عصبي جديد نتيجة استقبال معلومة أو فكرةٍ جديدة في الدماغ، ويكون هذا الارتباط العصبي على هيئة تشابك بين العصبونات المتواجدة في المخ، فمثلاً: تعلم كيفية العزف يتمّ عبر ربط حركة اليدين على الآلة الموسيقية مع سماع لحن جميل، هذا الارتباط يترجم في الدماغ عبر الربط بين العصبونات المسؤولة عن حسّ السمع مع العصبونات المسؤولة عن نقل أوامر الحركة.
وينتج عن هذا الارتباط تولد حركة اليدين بالتزامن مع سماع اللحن (أي العزف)، كما أن التدريب والممارسة يلعبان دوراً مهماً، حيث يزيد من التشابكات العصبية الأمر الذي يحسن أداء الفرد، ويزيد من دقة حركات العزف للحصول على لحنٍ أفضل وأدق، كاللحن الذي سمعه عند بداية تعلمه. كما تظهر المرونة بآليةٍ مشابهة عند اكتساب معارف علمية جديدة.
فمثلاً: أثناء تعلم الرياضيات والحساب يحصل تشابك بين العصبونات الموجودة في مناطق الدماغ المسؤولة عن الحساب من أجل الحصول على النتيجة المنطقية الصحيحة لحل مسألة حسابية ما (يكون التشابك العصبي في هذه الحالة على مستوى معقد يشمل باحات الدماغ المسؤولة عن الحساب مع باحات المحاكمة العقلية واتخاذ القرار)، وكذلك الأمر في جميع الاختصاصات العلمية، كالطب، والهندسة، والعلوم، وتعلم اللغات، وغيرها.
بشكلٍ عام كمية المعلومات التي نتلقاها يترجمها الدماغ إلى تشابكاتٍ عصبية تدل على اكتساب معارف جديدة، وكنتيجةٍ منطقية نلاحظ أن كمية التشابكات تكون عظمى عند ولادة الطفل، وتنخفض تدريجياً مع التقدم في السن، وذلك يدل على أن الإنسان في بداية حياته يتلقى أكبر كمٍّ من المعلومات، ويكتسب كمياتٍ كبيرة من المهارات في مجالاتٍ مختلفة ومتنوعة.
إلا أنه مع التقدم في السن يصبح للإنسان توجه معين علمي أو مهني الأمر الذي يجعله يتلقى معلوماتٍ معينة في مجالٍ أو اختصاص معين. أما المجالات الأخرى، فيتم التغاضي عنها من قبل الدماغ، إلا أن التعلم لا يحقق غايته إذا لم يتمّ تخزين ما تمّ تعلمه بشكلٍ جيد، وهنا يظهر دور الذاكرة في إتمام عملية التعلم.
2- الذاكرة ودورها في عملية التعلم
بعد اكتساب المعلومات والخبرات من قبل الدماغ تبدأ عملية تخزين هذه المعلومات ليتمكن الإنسان من استحضارها عند الحاجة، وعلى الرغم من عدم وجود فهمٍ كامل لآلية تشكل الذاكرة، إلا أنها بشكل عام تتشابه كثيراً مع آلية المرونة العصبية، فكلاهما يعتمد على التشابكات والمشابك العصبية لتخزين كل التجارب والمعلومات التي يكتسها الإنسان.
عندما نريد الاحتفاظ بشيء ما سواءً كانت فكرةً أم خبرةً جسدية أو لحظةً معينة، فإن الدماغ يقوم بتشكيل تشابكاتٍ عصبية خاصة مسؤولة عن الاحتفاظ بهذا الشيء، هذه التشابكات يفترض أنها موجودة بشكلٍ خاص ضمن الفصّ الصدغي من المخ، ويتمّ تشكيل هذه التشابكات بالاعتماد على بنيةٍ عصبية تدعى بالحصين (Hippocampus)، إلا أن تشكل ذاكرةٍ معينة لا يعني بالضرورة الاحتفاظ بها إلى الأبد، حيث إن التشابكات تضعف مع الزمن وتزول في حال عدم الحاجة إليها أو عدم استدعائها لفترةٍ طويلةٍ من الزمن حيث يحدث النسيان عند ضعف هذه التشابكات العصبية.
كمثالٍ بسيط معظمنا لا يستطيع تذكر وجبة الغداء التي تناولها من شهر، إلا أنه يمكن تذكر يوم تخرج أو ذكرى رحلة جميلة من سنين، فالذكرى الأولى غير مهمة والتشابكات العصبية الخاصة بها تزول بسرعة بينما الذكرى الثانية ذات أهمية، فيتم استذكارها باستمرار، ولا يتمّ نسيانها.
كيف يمكننا زيادة القدرات الذهنية العقلية؟
يتكفل الدماغ بالتفاصيل المعقدة التي تساهم في اكتساب الخبرات وحفظ المعلومات التي نريدها، إلا أنه يمكننا مساعدة الدماغ على تسريع عملية التنمية من خلال: [2]
1- الاستذكار المستمر والتدريب المتواصل: فذلك يسبّب زيادة التشابكات العصبية في الدماغ، وينتج عن ذلك إتقان المهارات وتخزينها واستذكارها بشكلٍ أفضل.
2- الحصول على النوم الكافي: فالنوم يلعب دوراً مهماً في تثبيت المعلومات، وزيادة التشابكات العصبية.
3- الابتعاد عن التوتر: يمكن للتوتر أن يسبّب ضعفاً في الذاكرة وضعفاً في أداء المهام اليومية.
المراجع البحثية
1- Colom، R.، Karama، S.، Jung، R. E.، & Haier، R. J. (2010). Human intelligence and brain networks. Dialogues in Clinical Neuroscience، 12(4)، 489–501. Retrieved July 21، 2024
2- MSEd، K. C. (2024، May 17). How neuroplasticity works. Verywell Mind. Retrieved July 21، 2024
3- Ackerman، S. (1992). Learning، recalling، and thinking. Discovering the Brain – NCBI Bookshelf. Retrieved July 21، 2024