Published in: الصحة النفسية

الغيرة المرضية – أسبابها، طرق التعامل معها

Author أ. بتول ندة

Published on: 1 مايو، 2024

أ. بتول ندة

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

ما هي الغيرة المرضية؟

الغيرة هي عاطفةٌ معقدة، وشكلٌ متطرف وغير سويّ من المشاعر التي يُظهرها الفرد بسبب التهديد والخوف من فقدان الشريك أو دخول طرف ثالث بينهما لتصبح علاقة ثلاثية، مما يؤدي إلى انعدام الاستقرار النفسي والعاطفي في حياة الطرفين، ونشوب خلافاتٍ مستمرة قد تتطور للانفصال، خصوصاً إذا تجاوزت الغيرة نطاقها الطبيعي.

فالأنثى قد تحب اهتمام الرجل بها وغيرته عليها، والرجل كذلك يحب غيرة المرأة عليه، لكن بشرط ألا تتجاوز المرأة الحدود، وتبالغ في ذلك لأن الرجل سرعان ما يمل من هذه السلوكيات، وينفر من شريكته على الفور، لأنه يكره تقييد الأنثى له بهذا الشكل، فهو يفضل الأنثى الواثقة من نفسها، وفي حال تسللت مشاعر الغيرة إلى قلبها عليها أن تعبر، لكن بطريقةٍ أنثوية عفوية تشعر الرجل بالحب، والاهتمام لا بالشك والخيانة. ^[1]

ما هي علامات الغيرة المرضية؟

1- أفكار مستمرة حول صدق وإخلاص الشريك في العلاقة.

2- الاستمرار بمقارنة أنفسهم ونجاحاتهم بإنجازات الآخرين، وحياتهم الخاصة، وعدم الانشغال بالتطوير الذاتي.

3- محاولة إبعاد وعزل الشريك عن الأصدقاء، والعائلة، والأجواء الاجتماعية.

4- التحكم بحياة الشريك، وإسماعه بعض الأوامر، وإجباره على تنفيذها.

5- الغضب الشديد عند رؤية أو سماع شركائهم يتحدثون مع أصحابهم من الجنس الآخر.

6- انعدام الثقة بالشريك، فعندما لا يكونان معاً سرعان ما يتسلل الشك لقلب أحدهم، ويبدأ بافتعال المشاكل.

7- الاستمرار بمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي للشريك لمعرفة آخر ما يقوم به فيما يخص التفاعلات والتعليقات.

8- نجاحات الآخرين تسبّب التعاسة والحزن له. ^[1]

ما الفرق بين الغيرة والحسد؟

في بعض الأحيان يتمّ استعمال مصطلحي الغيرة والحسد بالتبادل، لكن لكل منهما معنىً مختلف عن الآخر، فعندما تنطوي الغيرة على الخوف من أن يقوم طرف ثالث بتعطيل العلاقة، فإن الحسد سيكون الرغبة في الحصول على كل ما يملكه الشخص الآخر.

وعلى الرغم من اختلاف المصطلحين إلا أنه يوجد بعض الخصائص المشتركة، وهذا هو السبب في الخلط بينهما لأن كلاهما يؤكد على مشاعر انعدام الأمان، ويمكن للغيرة أن تدفع الشخص إلى حسد الآخر، وتمني الشر له فقط لأنه يراه منافساً، ويرغب في التخلص منه، وسنوضح الفرق بينهم عن طريق ما يلي: ^[2]

1- الغيرة

1- الخوف من نجاح شخصٍ أو القلق منه.

2- تؤدي إلى الغضب والاستياء.

3- تقوم على التنافس، وتتغذى بالكره.

4- ليس لديهم الرغبة في رؤية أحدٍ ما أفضل منهم.

2- الحسد

1- عدم تمنّي الخير للآخرين.

2- عيون الحاسدين تبقى على أرزاق الناس.

3- الرغبة في الحصول على أملاك الآخرين جميعها.

4- تشويه سمعة الأشخاص من حولهم، والإساءة لهم عمداً.

ما هي أسباب الغيرة المرضية؟

هنالك الكثير من العوامل النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية التي تسبّب الغيرة، ومنها ما يلي: ^[3]

1- فترات الطفولة وتأثيراتها على حياة الفرد، فمن الممكن أن يكون الطفل قد ولد وتربى في بيئةٍ لم تعطه القدر الكافي من الاهتمام والحب، مما أدى لتكوين نقص بداخله، وفي مراحل الكبر، وعندما يدخل في علاقة حب، وبسبب احتياجه العاطفي تتولد لديه مشاعر الغيرة المؤذية.

2- إن استمرار الأهل في السخرية من إنجازات أولادهم يؤدي إلى تطور الغيرة عند الفرد، ويصبح على كرهٍ تام لشخصيته، ويتمنى الفشل لكل من حوله.

3- تدني احترام الذات، وعدم معرفة قيمتها.

4- انعدام الثقة بالنفس تجلب الشريك الاعتمادي الذي يرمي كل شيء على عاتق الطرف الآخر، وفي بعض الأحيان قد يحطم معنوياته، ويقارنه بغيره، ومما يولد الإحساس بالغيرة أن هنالك من هو أفضل، وهذا غير معقول.

5- عدم التمتع بمهارات التنظيم العاطفي للرغبات، والمشاعر، والأحاسيس، مما يدفع الشريك للإفراط في التعبير عن الحب، أو الغيرة، أو الاهتمام.

6- التأخر في الردّ على الرسائل النصية، والغياب، وانقطاع التواصل المفاجئ، كذلك الرجوع المفاجئ، مما يعطي مشاعر عدم الاستقرار، والثبات، والغيرة.

بعض الأمثلة الواقعية عن الغيرة

1- أن يحصل فرد غيره على ترقيةٍ في العمل كان يتوقع هو الحصول عليها.

2- أن يحصل شخص ما على جائزة أو تكريم كان يتوقع أن يحصل هو عليها.

3- أن يحب أطفاله هدية شخصٍ آخر أكثر من هديته.

4- رؤية الشريك يجري اتصالاً مع شخصٍ آخر.

5- سماع الشريك يقوم بمدح شخص آخر أمامه.

6- يغار الفرد من الآخرين الذين يبدو عليهم شعور الأمان، والذين يحصلون على كل شيء بسهولة، إما بسبب جمالهم، أو مزاياهم، أو مظهرهم، أو خلفياتهم الاجتماعية، وخاصةً الذين يفتقرون لحياة الصراع والقلق. ^[4]

ما هي أنواع الغيرة؟

تصنف أنواع الغيرة إلى خمسة أنواع رئيسية، ومنها: ^[4]

1- الغيرة العقلانية

عندما يكون هنالك شك حقيقي بأن الشريك على علاقةٍ بشخصٍ آخر، ويحبه أكثر من الفرد المرتبط به، فهنا تنجم الغيرة العقلانية، وقد تؤدي إلى نهاية وفسخ الارتباط.

2- الغيرة العائلية

تحدث هذه الغيرة بين أفراد العائلة، كالإخوة أو عندما يولد طفل جديد، وقد يولد الشعور بالغيرة عندما يرى الطفل اهتمام والديه بالمولود الجديد، وإهماله كلياً.

3- الغيرة الجنونية

هذا النوع من الغيرة غير عقلاني، وقد تحدث بسبب مشاعر مضطربة، ومشكلات صحية يعاني منها الفرد، كاضطراب القلق، أو الوسواس القهري، أو الفصام، ومن علاماتها انعدام الأمان، ورغبة الطرف الآخر في السيطرة والامتلاك للتلاعب بالشريك، ويحدث ذلك عندما يكون الطرف الآخر نرجسياً، فهو يتغذى على غضب شريكه وغيرته المفرطة، ويفرح برؤية ذلك.

4- الغيرة الجنسية

عندما يكون الأمر مشبوهاً بتورط الشريك في علاقاتٍ سابقة قبل الدخول في الارتباط، مما يؤدي لغيرة الطرف الآخر، والخوف من حصول خيانةٍ جسدية مع شخصٍ آخر أو الرجوع لعلاقات الماضي.

5- غيرة القوة

يولد هذا النوع من الغيرة بسبب انعدام الأمان الشخصي، وقلة الثقة بالنفس، كذلك قد يشعر الفرد بالغيرة من شخصٍ لديه كل شيء، أو عندما يتلقى أحد أصدقائه خبراً ساراً ومفرحاً، أو عندما يعبر الشريك عن إعجابه بشخصٍ آخر. 

ما هي طرق التعامل مع الغيرة المرضية؟

في حال بدأت الغيرة تؤثر على الحياة اليومية، وتتداخل مع النشاطات، وتخلق مشاعر سلبية تمنع الفرد من الاهتمام بذاته، كذلك تتأثر بالحفاظ على العلاقات من حوله، فلابدّ حينها أن يخضع لعلاج عند أخصائي نفسي يشرح له كافة الأعراض التي تحدث معه، ليتمّ بعدها البدء بجلسات علاجية، ومنها: ^[5]

1- العلاج المعرفي السلوكي

هو شكل من أشكال العلاج النفسي، حيث يركز على تحديد وفهم المعتقدات السلبية الخاطئة، وتعديلها لتصل إلى ذهن الفرد بشكلٍ صحيح باستخدام تقنيات السلوك المختلفة من تصحيح مفاهيم، والتركيز على الأمور الإيجابية، وتعديل السلوك من خلال إعادة الهيكلة المعرفية لدى الفرد.

2- اليقظة العقلية والسلوكيات القائمة على التقبل وفهم الآخر

لكل إنسان طبيعة مختلفة عن شريكه، ومن المهمّ جداً فهم هذا الاختلاف، والتعامل معه بتقبُّلٍ تام لشخصية الآخر مع قليل من التجاهل للسلوكيات التي لا تعجب الطرف الآخر، فالتجاهل علاجٌ فعال جداً في مثل مواقف الغيرة، كذلك الانشغال بالعمل، وتعبئة وقت الفراغ كي لا يأخذ التفكير بالشريك، وكيفية إرضائه كل المساحة، مما يؤدي للتعب، والقلق، والحزن، وقد تتطور إلى نشوب خلافات ثم الانفصال، لذلك التقبل والفهم الإيجابي للعلاقات أمرٌ مهمٌّ جداً.

3- ممارسة الامتنان

على الفرد دوماً أن يتذكر كل الأشياء الجميلة التي يملكها، ويشكر الله عليها، فذلك يبعده عن طريق الغيرة والحسد تجاه الآخرين.

4- وضح الحدود ومراقبة التوقعات

في أي علاقة كانت يجب على الفرد أن يضع حدوده، كذلك عليه أن يحدد مقداراً من الوقت، ويجب أن يكون كافٍ بالنسبة له لمعرفة الطرف الآخر، وفهم معتقداته، وكيفية التواصل معه، وفي حال لم يحقق المتطلبات المرجوة، فلا داعٍ للخوف والغيرة، فقط على الفرد أن يتقبل ذلك، وألا يحاول إلقاء اللوم على الآخر، لأن ذلك سيؤذيه نفسياً، ومن الممكن حينها أن يحصل نقاش بسيط يواجه به كلا الطرفين مخاوفهما، وقد تكون طريقةً جيدةً لحل الخلافات.

5- استخدام الأدوية المضادة للذهان

حيث نستخدم هذه الأدوية في حال كانت الغيرة غير واقعية، كذلك لإدارة الأعراض المرتبطة بالأوهام أو الاغتراب عن الواقع.

6- الانفتاح والصدق

تعتمد العلاقة الصحية على التأكيد وباستمرار يجب على الرجل أن يؤكد حبه للأنثى بالكلام والأفعال مع التواصل القوي، وذلك سيقوي العلاقة، ويدخل الأمان إلى قلب الشريك، ويبعد الغيرة والشكوك.