Skip links
مراهق يحمل سكين بيده

العنف في المجتمع

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

ما هو تعريف العنف؟

هو فعل القوة البدنية الذي يسبّب أو يهدف إلى التسبّب في الأذى، وقد يكون الضرر الناجم عن العنف جسدياً، أو نفسياً، أو كلاهما، ويمكن تمييز العنف عن العدوان، فهو أكثر عموميةً من السلوك العدائي الذي قد يكون جسدياً أو لفظياً. العنف هو سلوكٌ بشريٌّ يحدث في جميع أنحاء العالم، وقد يكون الأشخاص عنيفين في أي عمر، ولكن المراهقين الأكبر سناً، والشباب هم أكثر عرضةً للانخراط في السلوك العنيف، وللعنف عدد من الآثار السلبية على من يشهده أو يتعرض له، والأطفال أكثر عرضةً لأضراره، ولحسن الحظ، نجحت برامج مختلفة في منع العنف، والحدّ منه. [1]

ما أنواع العنف؟

يمكن تصنيف العنف وفقاً لدوافعه، فعادةً يقتضي العنف التفاعلي أو العاطفي التعبير عن الغضب، وتنشأ الرغبة العدائية في إيذاء شخصٍ ما رداً على استفزازٍ متصور، أما العنف المُسبق التفكير أو الفعال، فغالباً ما يتمُّ إجراؤه تحسُّباً لمكافأةٍ ما، حيث وجد عالم النفس الأمريكي كينيث دودج أن هذين النوعيين من العنف يتضمنان حالاتٍ فيزيولوجيةٍ مختلفة، فالشخص الذي يمارس العنف العاطفي يعاني من فرط إثارة الجهاز العصبي اللا إرادي، أي زيادة معدل ضربات القلب، والتنفس، والتعرق.

في حين أن الشخص الذي يرتكب عملاً من أعمال العنف مُسبق التفكير يعاني من انخفاض الاستثارة اللا إرادية، وهناك أيضاً العنف المنزلي أي السلوك العنيف بين الأقارب، وخاصةً بين الزوجين. هناك طريقةٌ أخرى لتصنيف السلوك العنيف تقتضي التمييز بين العنف المفترس والعنف العاطفي، ويتضمن العنف المفترس أعمالاً مخططاً لها لتوجيه القوة العدائية، أما العنف العاطفي، فهو أكثر اندفاعاً، وغير مخططٍ له.

وقد تمّ اقتراح أنواعٍ أخرى من العنف، بما في ذلك العنف العصبي بدافع الإحباط، والعنف الإقليمي بدافع اقتحام المنطقة، كما تتداخل أشكالٌ أخرى من العنف مع هذه الفئات، وتنقسم جرائم العنف عادةً إلى أربع فئاتٍ رئيسيةٍ بناءً على طبيعة السلوك:

● القتل: قتل إنسانٍ على يد إنسانٍ آخر، وهذا يكون أحياناً مبرراً قانوناً.

● الاعتداء: مهاجمة شخصٍ آخر جسدياً بقصد التسبُّب في ضرره.

● السرقة: أخذ شيءٍ بالقوة من شخصٍ آخر.

● الاغتصاب: الجماع الجنسي القسري مع شخصٍ آخر. [1]

ما هي أسباب العنف؟

إحدى النقاط التي يبدو أن جميع الباحثين متفقون عليها هي أن العنف متعدد الأسباب، مما يعني أنه لا يوجد عاملٌ واحدٌ مسؤولٌ عن السلوك العنيف، وإنما ينجم العنف عن مجموعةٍ من العوامل، بما في ذلك تلك التي تنشأ في البيئة الاجتماعية أو الثقافية للشخص العنيف.

وبالتالي تمثل قوىً ظرفيةً مباشر، وقد قام الباحثون بفحص عوامل متعددة داخل الشخص، والتي قد تساهم في العنف، بما في ذلك الاستعداد الوراثي، والشذوذ الكيميائي العصبي، كارتفاع هرمون التستوستيرون مثلاً، وخصائص الشخصية، كانعدام التعاطف مع الآخرين، والعجز عن معالجة المعلومات، كالنظر إلى تصرفات الآخرين على أنها عدائية، وتجربة سوء المعاملة أو الإهمال في مرحلة الطفولة. [1]

ما هي آثار العنف؟

بغضّ النظر عن سببه، فإن للعنف تأثيراً سلبياً على من يتعرّض له أو يشهده، ويمكن أن يسبّب العنف إصاباتٍ جسدية، وكذلك أضراراً نفسية، وترتبط العديد من الاضطرابات النفسية بتجربة العنف أو مشاهدته، بما في ذلك اضطراب ما بعد الصدمة، واضطراب الهوية الانفصامية، واضطراب الشخصية الحادة.

كذلك هناك أعراضٌ نفسيةٌ أخرى شائعةٌ أيضا لدى ضحايا العنف، مثل: الاكتئاب، والقلق، وتقلب المزاج، أو الاضطراب ثنائي القطب، ويبدو أن الأطفال هم الأكثر عرضةً للآثار السلبية للعنف، فأولئك الذين يتعرضون للعنف أو يشهدونه قد يصابون بمجموعةٍ متنوعةٍ من المشاكل.

بما في ذلك القلق، والاكتئاب، وانعدام الأمن، والغضب، وسوء إدارة الغضب، وضعف المهارات الاجتماعية، والكذب المرضي، وسلوك التلاعب، والاندفاع، وقلة التعاطف، فقد يستجيب بعض الأطفال للعنف بطرقٍ داخلية، مثل: تنمية مشاعر عدم الأمان، والقلق، والاكتئاب.

في حين قد يتفاعل آخرون بطرقٍ سلوكية، كالتصرف بطرقٍ معاديةٍ في المجتمع نتيجة الشعور بالغضب والانفعال، ورغم أن بعض آثار العنف قد تظهر خلال مرحلة الطفولة، إلا أن البعض الآخر قد لا يظهر حتى مرحلة البلوغ. علاوةً على ذلك، إن التعرُّض للعنف يمكن أن يزيد من السلوك العنيف لدى الأطفال، حيث أظهر عالم النفس الأمريكي ألبرت باندورا أن الأطفال غالباً ما يقلدون السلوكيات العنيفة، وخاصةً إذا صدرت من بالغين محطّ ثقةٍ بالنسبة لهم، كالآباء.

كما يقلد الأطفال العنف الذي يظهر على شاشات التلفاز، ووسائل الإعلام الأخرى، لأن الطفل يعتقد أن العنف الإعلامي يمثل الواقع، فأولئك الذين يتعرضون لكمياتٍ أكبر من العنف الإعلامي هم أكثر عرضةً من الأطفال الآخرين لأن يصبحوا بالغين عنيفين، وهذا يمكن أن يحدث أيضاً إذا عاش الطفل مع شخصياتٍ عنيفة. [1]

منع العنف

لأن الميل إلى التصرف بعنفٍ يتطور خلال مرحلة الطفولة، فإن معظم برامج الوقاية تستهدف الشباب، والعديد من هذه البرامج تركز على المدرسة بالرغم من أن بعضها يشمل الأسرة أو المجتمع. إن برامج منع العنف الأكثر نجاحاً هي تلك التي تستهدف جميع الأطفال، وليس فقط أولئك الذين يُعتبرون معرّضين لخطر العنف، بالإضافة إلى ذلك، تمّ تحقيق أكبر قدرٍ من النجاح في البرامج المدرسية التي تضمّ معلمين ملتزمين ومشاركين، وبرامج تشمل تدريب أولياء الأمور.

لقد تمَّ تطوير مجموعةٍ متنوعةٍ من البرامج، لتقليل أو منع العنف لدى الأفراد الذين أظهروا بالفعل ميلاً نحو العنف، فعلى سبيل المثال: تحاول عدد من البرامج المخصصة للسجون من تقليل احتمالية عودة المجرمين العنيفين وغير العنيفين إلى ارتكاب الجرائم، حيث يتلقى مرتكبو الجرائم العنيفة تدريباً، لتحسين مهارات الأبوة، والأمومة، ومهارات العلاقات الأخرى، ويمكن تضمين عنصر الصحة العقلية، كعلاج تعاطي المخدرات مثلاً.

كما يعدُّ التدريب الوظيفي عنصراً شائعاً آخر في برامج الوقاية في السجون، وفي بعض الأحيان، يمكن استخدام أدوية، مثل: مضادات الاكتئاب، أو حاصرات بيتا، وغيرها، بالإضافة إلى طرقٍ أخرى. بشكلٍ عام أفضل البرامج نجاحاً لمنع العنف هي تلك التي تؤثر على التغييرات السلوكية. [1]

العنف في المجتمع

يشكل العنف في المجتمع مصدر قلقٍ متزايد، وتتطلب معرفة طبيعة العنف توسيع الفكر حول من يرتكب العنف، ومن يتأثر به، فالعنف يتخذ أشكالاً أوسع بكثير من الضرب الجسدي والجروح، ويتعدى ذلك إلى الاعتداء الجنسي، والإهمال، والتهجُّم اللفظي، والشتائم، والتهديدات، والتحرش، وغيرها من أنواع الإساءات النفسية التي تمزّق أوصال المجتمع.

يحدث العنف في المنازل، وأماكن العمل، والمؤسسات العامة، والمدارس، والمرافق، والشارع، والنساء والأطفال هم في كثيرٍ من الأحيان ضحايا العنف، وفي أغلب الأحيان يرتكب العنف شخصٌ معروفٌ من قبل الضحية، ويشمل العنف الحالي أعمالاً عشوائيةً وعفوية، كما هو الحال في ثورة الغضب.

بالإضافة إلى أعمالٍ منهجية مخططٍ لها تهدف إلى السيطرة، ويؤثر العنف على ضحاياه المباشرين، ومن يشهدون العنف، وأفراد الأسرة، وزملاء العمل، ومقدمي الخدمات، وجميع أفراد المجتمع. ولجميع أشكال العنف آثار مدمرة على الصحة العقلية، والجسدية، والروحية على المدى القصير والطويل، ومن الواضح أن العيش في ظل العنف أو الخوف من العنف يتعارض مع الظروف والموارد الأساسية للصحة. [2]

بناء سياسة صحية عامة

لابدّ من الفهم الشامل للقيم الاجتماعية التي تقوم عليها العلاقات الإنسانية، والاستراتيجيات الفعالة المستخدمة لمنع العنف، والحدّ من آثاره. إن السياسة العامة السليمة الرامية إلى الحدّ من العنف تتطلب إصلاح السياسات في كافة التخصصات والقطاعات.

يجب سنُّ مثل هذه السياسات على المستوى الوطني، والإقليمي، والمجتمع المحلي، على سبيل المثال: هناك حاجة لإصلاح التشريعات والقضاء، لحماية جميع أفراد المجتمع، ومحاسبة مرتكبي أعمال العنف. إن الإصلاح المالي والاجتماعي مطلوبٌ للحدّ من عدم المساواة الاقتصادية، ومعالجة الظروف التي تؤدي إلى العنف.

هناك حاجة إلى سياسةٍ صحيةٍ تهدف لتحسين الوقاية، والتدخل المبكر لعلاج العنف، كما يجب أن يتضمن الإصلاح الصحي تحولاً في مفهوم الرعاية الصحية من نظامٍ علاجيٍّ مدفوعٍ تقنياً ومهنياً إلى نظامٍ وقائي. وفي إطار هذا النظام، يمكن تعريف العنف بسهولةٍ أكبر باعتباره مشكلةً صحيةً كبرى تؤثر على صحة المجتمع ككل، وكذلك أفراده. [2]

تعزيز العمل في المجتمع

إن تحقيق مجتمعٍ خالٍ من العنف يتطلب إجراء خطواتٍ مسبقة تنبع من المجتمع، وأساس هذه العملية هو تمكين أفراد المجتمع من تحديد الأولويات، واتخاذ القرارات، وتخطيط وتنفيذ استراتيجيات لمعالجة العنف. يجب أن يضمن العمل في المجتمع المشاركة الكاملة لأفراد المجتمع بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي والاقتصادي، أو جنسهم، أو عرقهم، أو ثقافتهم، أو عمرهم، أو توجههم الجنسي. [2]

ما هي أهمُّ التوصيات لحلّ مشكلة العنف؟

1- الاعتراف بالعنف واعتباره قضيةً صحيةً ذات أولويةٍ في قطاع الصحة.

2- أن تعمل المنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بالعنف بشكلٍ تعاوني للحصول على الدعم لتطوير إطار العمل بهدف تعزيز الصحة، ومعالجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تسمح للعنف بالتطور.

3- أن تسعى الحكومة لإنشاء برامج جديدة من شأنها أن تقلّل بشكلٍ أكثر فعاليةً من عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، وتحسين الوضع العام، وينبغي أن يتضمن هيكل التمويل الجديد هذا تعزيز أنشطة الوقاية من الأمراض، وصحة المجتمع.

4- يجب تشجيع المجتمعات، ودعم جهودها الرامية إلى تحديد احتياجاتها الخاصة، وتصميم البرامج، والخدمات المناسبة، وتطبيق المعرفة والخبرة التي تمّ تطويرها في حركة المجتمعات لإنشاء مجتمعات صحية خالية من العنف.

5- ينبغي دعم وتكرار نماذج وأساليب الوقاية الأولية والثانوية.

6- العمل على تحديد هوية الضحايا، ومرتكبي العنف.

7- أن يحدد مقدمو الرعاية الصحية أساليب جديدة للرعاية التي تركز على العملاء لضحايا العنف ومرتكبيه.

8- أن تقوم الحكومات والمنظمات الصحية بتطوير أساليب جديدة لتوفير الخدمات الصحية، والاجتماعية، وخدمات العدالة المتكاملة لضحايا العنف.

9- أن يقوم معلمو المهنيين الصحيين بتطوير، وتنفيذ التدريب الأساسي الإلزامي لجميع المهنيين الصحيين الجدد والحاليين.

10- أن تتضمن برامج التعليم والتدريب للعاملين في مجال الصحة العامة ومطوري المجتمع فهماً شاملاً للعنف، واستراتيجيات فعالة لبناء المجتمع تتصدى للعنف. كما يتناول التعليم الابتدائي والثانوي قضايا تتعلق بتقدير الحقوق، والمسؤوليات الفردية، والمهارات اللازمة لحل النزاعات دون عنف، وبناء علاقات صحية مع الآخرين، وينبغي أيضاً أن يكون البالغون الذين يعملون مع الأطفال أكثر استعداداً لتقديم التوجيه في التعامل السلمي.

11- تطوير أساليب جمع البيانات لتوثيق مدى العنف في المجتمع بصورةٍ أكثر دقة.

12- يجب إجراء الأبحاث لوصف التكاليف البشرية والمالية التي يسببها العنف في المجتمع، وتقدير التوفير المحتمل في التكاليف لقطاع الرعاية الصحية في منع العنف.

13- وضع مؤشرات لقياس تأثير برامج التدخل والوقاية، ودعم البحوث النوعية والكمية، وتقييم النهج الاجتماعي للحدّ من العنف. [2ٍ]

المراجع البحثية

1- Jacquin., K. M. (2024, February 11). Violence | Causes, Effects & Solutions. Britannica. Retrieved February 12, 2024

2- Ontario, O. (n.d.). Violence in society: a public health perspective. Canadian Public Health Association. Retrieved February 12, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.