Skip links
رسم توضيحي لعائلة منفصلة عن بعضها ومطرقة القاضي تقسم مجسم منزلي الى نصفين

الطلاق – أسبابه وأثره على الأطفال

الرئيسية » المقالات » الصحة النفسية » العلاقات » الطلاق – أسبابه وأثره على الأطفال

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

أثبتت الأبحاث التي تقيّم تأثير بنية الأسرة على صحة ورفاهية الأطفال، أن الأطفال الذين يعيشون مع آبائهم البيولوجيين المتزوجين يتمتعون دائماً برفاهية جسدية وعاطفية وأكاديمية أفضل، وتشير أفضل الدراسات العلمية حتى الآن إلى أنه باستثناء الآباء الذين يواجهون عنفاً زوجياً لا يمكن حله.

فإن الأطفال يكونون أفضل حالاً عندما يعمل الآباء على الحفاظ على الزواج، وبالتالي، ينبغي على المجتمع أن يبذل قصارى جهده لدعم الزواج الصحي، وتوعية المتزوجين للعزوف عن الطلاق عن طريق حملات التوعية، والرعاية الاجتماعية، وتعزيز البنية الأسرية، لتقديم أطفالٍ أصحاء يخدمون المجتمع، ويرتقون به.

ما هي أسباب الطلاق؟

تتغير التركيبة السكانية للعائلات، ومع ذلك تتغير أيضاً الأسس الفلسفية للعلاقات، ففي المجتمعات الغربية، يشعر العديد من الشباب أن الزواج أمرٌ قديمٌ ومقيّد، وأن علاقات المعاشرة المفتوحة توفر خياراً أكثر ملائمةً للتنمية الشخصية، وإذا كانت العلاقة الزوجية لا توفر السعادة الشخصية.

فغالباً ما يعتقد الآباء أن أطفالهم سوف يتكيفون مع العلاقات الأسرية الجديدة، والحقيقة أن الانفصال لن يكون سوى سلسلةً من العواقب السلبية طويلة المدى، حيث كشفت دراسة حديثة أجرتها جامعة هارفارد عن الأسر ذات الوالد الوحيد أن العامل الأبرز الذي يمنع العديد من الأطفال من الحراك التصاعدي هو العيش مع والدٍ واحد.

ومع ظروف الحياة الصعبة استمرت حالات الطلاق في الارتفاع، حيث إن 72 بالمئة من حالات الطلاق تحدث خلال أول 14 عاماً من الزواج، ونظراً لأن نسبةً عاليةً من البالغين المطلقين يتزوجون مرةً أخرى، وغالباً ما تنتهي زيجاتهم أيضاً بالطلاق، الأمر الذي يجعل الأطفال يتعرضون إلى عمليات إعادة ترتيبٍ أسريةٍ متعددة.

كما تغيرت الأسباب المعجّلة للطلاق مع مرور الوقت، فقبل (قوانين الطلاق بدون خطأ)، كانت الإجراءات القانونية للحصول على الطلاق صعبةً ومكلفةً في كثيرٍ من الأحيان، لذلك كانت الزيجات الأكثر اختلالاً فقط هي التي تنتهي بالطلاق، ومن المرجح طبعاً أن إبعاد الأطفال عن بيئة الخلاف الدائم بين الأبوين والعنف أفضل لهم.

لأن ذلك يمكن أن يكون له آثار سلبية خطيرة على سلوك الأطفال، ونموهم، ونجاحهم الأكاديمي، وصحتهم المستقبلية، ولكن مع إدخال قوانين الطلاق بدون خطأ، فمن المحتمل أن الطفل لم يواجه مستوياتٍ حادة من الخلاف الأبوي، وبالتالي فإن له آثار سلبية أكبر على الطفل، وتؤثر حالات الطلاق أكثر على الأطفال الأصغر سناً، ويبدو أن إحدى الدراسات خلصت إلى أن غالبية حالات الطلاق الحديثة لم يسبقها فترة طويلة من الصراع الزوجي.

دراسة آثار الطلاق

عند تقييم البحث العلمي حول آثار الطلاق على الأطفال والآباء، من المهمّ مراعاة جميع العوامل التي تؤثر على النتيجة، بما في ذلك وضع الأسرة، ومزاج الأطفال، وأعمارهم وقت الطلاق، والوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، وكذلك أية مخاوف سلوكية أو أكاديمية موجودة قبل الطلاق.

ما هي آثار الطلاق على الأطفال؟

1- القدرات والكفاءات

من الواضح أن كل عائلة تتميز بنقاط قوةٍ وضعفٍ مختلفة، وشخصياتٍ وأمزجةٍ مختلفة، ودرجاتٍ متفاوتةٍ من الموارد الاجتماعية، والعاطفية، والاقتصادية، فضلاً عن المواقف العائلية المختلفة قبل الطلاق. وعلى الرغم من هذه الاختلافات، فقد تبين أن الطلاق يقلّل من كفاءة الطفل المستقبلية في جميع مجالات الحياة، بما في ذلك العلاقات الأسرية، والتعليم، والرفاهية العاطفية، والقدرة على الكسب، فالأطفال معرضون بشكلٍ متزايدٍ لخطر النتائج السلبية بعد تفكك الأسرة، وهذه النتائج يمكن أن تستمر حتى مرحلة البلوغ.

2- الوقت

عند طلاق الوالدين، يتعرض الطفل لخسائر كبيرة لا يمكن تجاهلها، وقد يقضي الطفل وقتاً مع كل من الوالدين، ويجب على الآباء التكيف مع خسائرهم، وكذلك مع دورهم الجديد كوالدٍ مطلق، وبالتالي قد لا يكون لدى الوالدين نفس القدر من القوة العاطفية، والوقت للاستثمار في التربية، أي قد يعاني الوالدان من صعوبة التربية، كما أن معظم الأطفال يقضون وقتاً أطول مع أحد الوالدين الحاضنين، وقد يقضي الطفل أيضاً وقتاً أقل مع والدته، لأنها قد تحتاج إلى العمل لساعاتٍ أطول لدعم الأسرة.

3- الوضع الاقتصادي

قد يفقد الطفل الأمن الاقتصادي، وتعاني الأمهات الحاضنات من خسارة ما بين 25 إلى 50 في المئة من دخلهن قبل الطلاق، كما يعاني الآباء الحاضنون من خسارةٍ مالية، على الرغم من أنهم يميلون إلى التعافي مالياً بسرعةٍ أكبر من الأمهات، وقد يؤدي فقدان الدخل إلى زيادة وقت العمل للوالدين، بالإضافة إلى تغيير مكان الإقامة أحياناً، والأطفال الذين يعيشون مع أمهاتٍ مطلقات هم أكثر عرضةً للعيش في فقر من الأطفال الذين يعيشون مع كلا الوالدين المتزوجين أو مع الآباء فقط.

4- الوضع العاطفي

قد يفقد الطفل الأمان العاطفي، وقد تكون علاقة الطفل بأمه ضعيفة، فالأمهات المطلقات أقل قدرةً على تقديم الدعم العاطفي، وبذات الوقت قد تكون علاقة الطفل بأبيه أيضاً ضعيفةً لعدة أسباب منها:

● يقضي الآباء المطلقون وقتاً أقل مع أطفالهم، ويتمُّ تصنيف الآباء المطلقين على أنهم أقل رعايةً من قبل المراهقين، وخاصةً إذا كانوا يعيشون مع أمهم المطلقة.

● قد يجد الطفل صعوبةً أكبر في الثقة بوالده.

● قد تكون علاقة الطفل ضعيفةً مع الأجداد أو الأقارب، وخاصةً أهل الوالد غير الحاضن، وبالتالي يفقد الطفل التقاليد العائلية، والتواصل مع الأقارب، وحضور مناسباتهم والاحتفالات، حتى الأطفال البالغين الذين انفصل آباؤهم في وقتٍ لاحقٍ من حياتهم عانوا من فقدان التقاليد العائلية.

● قد يؤدي الالتحاق للعيش مع أحد الوالدين بعد الطلاق إلى تغيير مكان الإقامة، وفقدان الأصدقاء، والبيئة المدرسية، وأنظمة الدعم الأخرى.

5- انخفاض النضج الاجتماعي والنفسي عند الطفل

● أثبتت الدراسات أن طلاب الجامعة الذين انفصل آباؤهم كانوا أكثر عرضةً للعدوان اللفظي، والعنف مع الآخرين أثناء حلّ النزاعات.

● قد يحصل أطفال الوالدين المطلقين على درجاتٍ أقل في مفهوم الذات والعلاقات الاجتماعية.

● يبدو أن القلق والاكتئاب يتفاقم بعد الطلاق.

6- السلوك الجنسي

قد تتغير نظرة الطفل إلى السلوك الجنسي، فهناك نزعة عند أطفال الوالدين المطلقين ببداياتٍ جنسيةٍ مبكرة. وبما أن الأولاد يبدؤون في ممارسة الجنس مبكراً، فهم أكثر عرضةً للإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً، والأمراض النفسية.

كبالغات، تعاني الإناث من الآباء المطلقين بقلة ثقةٍ ورضى في العلاقة الرومانسية والحميمة فيما بعد. ومن غير المرجح أن ينظر أطفال الوالدين المطلقين إلى الزواج على أنه دائم وأقل احتمالاً على أن ينظروا إليه أنه التزام مدى الحياة.

7- المعتقدات الدينية

قد يفقد الطفل إيمانه، وتتزعزع معتقداته الدينية بعد الطلاق، ومن المرجح أن يتخلى الأطفال عن عقيدتهم، وكبالغين، فإن أولئك الذين نشؤوا في عائلاتٍ أحادية الوالد هم أقل تديناً من أولئك الذين نشؤوا على يد كلا الوالدين معاً، وبما أن الدين له حدوده وقيوده، فإن طفل الآباء المطلقين قد لا يتقبل ذلك.

8- التحفيز المعرفي والأكاديمي

● الأطفال في بيوت المطلقين لديهم تحفيزٌ لغويٌّ أقل.

● من المرجح أن يحصل أطفال الوالدين المطلقين على متوسط درجات أقل من أقرانهم، وأحياناً يطلب إليهم إعادة السنة.

● الأطفال في الأسر ذات الأم الوحيدة أكثر عرضةً مرتين للتغيب عن المدرسة بسبب المرض أو الكسل مقارنةً بأطفال الأسر ذات الوالدين.

● يحقق أطفال الوالدين المتزوجين مستويات دخلٍ أعلى عند البلوغ.

9- الوضع الصحي

أطفال الأسر النووية يعانون من حالةٍ صحيةٍ أسوأ من أولئك في الأسر غير النووية، فالأطفال الذين يعيشون مع أبوين متزوجين أقل عرضةً للإيذاء أو الإهمال، وفي إحدى الدراسات، تضاعف الخطر النسبي لتعرض الأطفال من أسرة ذات والدٍ واحدٍ للإيذاء الجسدي أو الإهمال.

10- الوضع العاطفي

أظهرت الدراسات أن الأطفال الذين ينشؤون مع آباء وحيدين كانوا أكثر عرضةً للاضطرابات النفسية الخطيرة، كمحاولة الانتحار، أو إدمان التدخين، أو الكحول، وغير ذلك، كما إن أطفال الوالدين الوحيدين هم أكثر عرضةً للمشاكل العاطفية والسلوكية. [1]

آثار الطلاق على الوالدين

يعاني الآباء الذين يطلقون أيضاً من آثار سلبية على صحتهم الجسدية، والعاطفية، والمالية، والتي قد تؤثر بدورها على أطفالهم، فمن المرجح أن يتمتع الأشخاص المتزوجون ذكوراً وإناثاً بصحةٍ بدنيةٍ أفضل، كما أظهرت بعض الدراسات أن أولئك الذين كانوا غير سعداء في زواجهم لكنهم استمروا، كان لديهم علاقة أفضل، وأكثر سعادةً بعد خمس سنوات من الزواج من أولئك الذين انفصلوا.

– المتزوجون يدخنون ويشربون الكحول أقل من المطلقين.

– الرجال المتزوجون أقل عرضةً للانتحار من الرجال المطلقين أو المنفصلين.

– الأفراد المتزوجون لديهم معدلات إصابةٍ أقل بمرض السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب، والأمراض الأخرى، ومن المرجح أن يعيش الرجال المتزوجون فترةً أطول بعد تشخيص إصابتهم بالسرطان، وخاصةً سرطان البروستاتا.

– الرجال المتزوجون يعيشون أطول من الرجال الذين لم يتزوجوا قط.

– يحصل الأفراد المتزوجون ذكوراً وإناثاً على دخلٍ أعلى، ويصبح لديهم ثروة أكبر، وتزيد كلما طال أمد الزواج، بينما تواجه النساء اللواتي يتعرضن للطلاق عموماً انخفاضاً في مستوى معيشتهن.

– من المرجح أن تتمتع النساء المتزوجات بصحةٍ جسديةٍ ونفسية أكثر من النساء المطلقات أو المنفصلات.

– يشارك الأفراد المتزوجون في مجتمعهم، حيث يتمتع الأشخاص المتزوجون بمسؤوليةٍ مدنية أكبر، فمنهم من يتطوع في مشاريع الخدمة، مثل: المدارس، والكنائس، والمنشآت الخدمية المختلفة.

– قد يكون له آثار عاطفية سلبية طويلة المدى على الوالدين، وأهمّها:

● منهم من يبقى يحمل الغل والحقد تجاه شريكه السابق.

● يحمل المطلقون شعور خيبة الأمل، وأن الحياة غير عادلة، ونسبة قليلة جداً من المطلقين لا تتجاوز 10 بالمئة يشعرون بأنهم حققوا حياة أكثر سعادة فيما بعد.

● يظل ربع الرجال المطلقين الأكبر سناً منعزلين ووحيدين.

آثار الطلاق على المجتمع

يؤثر الطلاق سلباً على المجتمع من خلال:

1- انخفاض كفاءة الطفل المستقبلي، وقدرته على التعلم، والتحصيل العلمي.

2- زيادة خطر تعليق الدراسة في المدارس، وازدياد الحاجة للمشرفين التربويين، والمرشدين النفسيين.

3- يؤثر سلباً على الدين والعبادة.

4- زيادة معدلات الجريمة، وتعاطي المخدرات مع ما يرتبط بذلك من تكاليف مجتمعية وحكومية.

5- إضعاف بنية الأسرة، لأن التفكك الأسري يؤدي إلى تفكك بنية المجتمع.

6- زيادة المخاطر على الصحة العاطفية، والنفسية، والعقلية للأفراد، وما ينتج عن ذلك من سلوك خطر، كالانتحار أو المساهمة في التجارب الجنسية المبكرة، مما يؤدي إلى زيادة المشاكل والفساد في المجتمع.

خاتمة

من الواضح أن هناك عواقب سلبية طويلة المدى للطلاق، حيث يعاني الآباء والأبناء والمجتمع جميعاً من عواقبه، وتظهر دراسة أن العديد من الأطفال لا يحصلون على التعافي الكامل أبداً، فكل حدثٍ خاص، أو عطلة، أو احتفال، أو مناسبة عائلية تذكر الطفل بخسارته، ونظراً لهذه التكاليف الباهظة التي يتحملها جميع المتضررين من الطلاق فضلاً عن التكاليف التي يتحملها المجتمع، لابدّ من حملات التوعية، وحمل مسؤولية الدعوة إلى سياسات الصحة العامة التي تشجع الزواج، وتقلّل احتمالية الطلاق.

المراجع البحثية

1- Anderson, J. (2014a, November 10). The impact of family structure on the health of children. National Institutes of Health. Retrieved February 7, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.