الطفل الحساس – صفاته وكيف يجب أن يتعامل الأهل معه؟
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
من هو الطفل الحساس؟
تُعتبر العواطف جزءاً لا يتجزأ من حياة الطفل، حيث تؤثر على سلوكياته، وقراراته، وعلاقاته الاجتماعية، خاصةً إذا كان حساساً وعاطفياً بدرجةٍ كبيرة، والطفل الحساس هو الذي يتميز بشعورٍ مرهفٍ واستجابةٍ عاطفيةٍ قوية تجاه المؤثرات الخارجية سواءً أكانت هذه المؤثرات إيجابيةً أو سلبية، وغالباً ما يكون الأطفال الحساسون أكثر انتباهاً لتفاصيل البيئة المحيطة بهم، ولما يشعر به الآخرون، ولديهم قدرة عالية على ملاحظة التغييرات الصغيرة في المشاعر أو في المواقف.
ما هي صفات الطفل الحساس؟
1- الاستجابة العاطفية القوية
يميل الطفل الحساس إلى أن يكون أكثر تأثراً بالمواقف العاطفية من الأطفال الآخرين سواءً أكانت تلك المواقف مفرحة، أو محزنة، أو تسبّب الغضب، حيث قد يبكي بسهولة أو يشعر بالانزعاج عند تعرّضه لمواقف تضغط على مشاعره.
2- التعاطف مع الآخرين
الأطفال الحساسون عادةً ما يكونون أكثر تعاطفاً مع مشاعر الآخرين، كما يمكنهم استشعار الحزن أو القلق لدى الآخرين بسرعة، ويشعرون بحاجةٍ ملحّة لمساعدة أو مواساة من حولهم.
3- الشعور بالتوتر في البيئات المزدحمة أو الصاخبة
الطفل الحساس قد يجد نفسه سريع التوتر أو الإرهاق عندما يكون في بيئةٍ مزدحمة أو مليئةٍ بالضجيج، كما أنه يشعر بالحاجة إلى وقتٍ للهدوء والاسترخاء بعد هذه التجارب.
4- القلق والتفكير العميق
غالبا ما يكون لدى الأطفال الحساسين مستوىً عالٍ من الوعي الذاتي، وقد يفكرون بشكلٍ عميقٍ في الأمور ولمدةٍ طويلة، كما من الممكن أن يسيطر عليهم القلق بشأن تفاصيل معينة.
5- الابتعاد عن المواقف المحرجة أو المخيفة
يميل الطفل الحساس إلى تجنُّب المواقف التي قد تسبّب له إحراجاً أو خوفاً، وقد يُظهر بعض الخجل في التعامل مع الآخرين.
هل الطفل يولد حساساً أم أنها صفةٌ مكتسبة؟
من المحتمل أن يولد الطفل بميولٍ حساسة بشكلٍ طبيعي نتيجةً لعوامل وراثية وبيولوجية، ولكنه أيضاً يمكن أن يكتسب هذه الحساسية أو أن تتأثر شدتها بعوامل البيئة والتربية، بمعنى آخر تعتمد الحساسية لدى الطفل على التفاعل بين عوامل فطرية وأخرى مُكتسبة، وهذه العوامل هي:
1- العوامل الوراثية والبيولوجية
يولد بعض الأطفال بطبيعةٍ حساسةٍ بسبب تركيبتهم الجينية، حيث يكون لديهم جهاز عصبي أكثر استجابةً للمؤثرات الخارجية، وهؤلاء الأطفال يُظهرون حساسيةً أكبر تجاه الأصوات، الضوء، الروائح، أو حتى التغيرات في البيئة العاطفية، حيث تُظهر الأبحاث أن هناك استعداداً فطرياً لبعض الأطفال للاستجابة العاطفية بشكلٍ أقوى مقارنةً بغيرهم.
2- العوامل البيئية
إن البيئة التي ينشأ فيها الطفل تلعب دوراً كبيراً في تشكيل درجة الحساسية العاطفية لديه، فعلى سبيل المثال:
التنشئة والتربية
الأطفال الذين ينشؤون في بيئةٍ مشجّعةٍ للتعبير عن المشاعر يُظهرون مستويات حساسيةٍ أكبر في التعامل مع مشاعرهم ومشاعر الآخرين، في المقابل قد يتطور لدى الطفل الذي يعيش في بيئةٍ قاسية أو مليئةٍ بالتوتر حساسية عاطفية نتيجةً لضغوط الحياة.
العلاقات مع الأهل والمحيطين
إذا كان الأهل أو الأشخاص المحيطين بالطفل يميلون للحساسية أو يعبرون عن مشاعرهم بشكلٍ مكثّف، فإن الطفل قد يكتسب هذا السلوك من خلال الملاحظة والتقليد.
التجارب الشخصية
ويعني هذا تجارب الطفل المبكرة، مثل: التعرُّض للضغط النفسي، الخوف، أو الصدمات، كل هذا يزيد من حساسيته العاطفية.
ما أثر هذه الحساسية على نفسية الطفل؟
حساسية الطفل لها تأثيرات متعددة على نفسيته قد تكون إيجابيةً أو سلبية حسب كيفية تعامله وتعامل البيئة المحيطة معه، وهنا بعض الآثار الشائعة للحساسية على نفسية الطفل:
1- الآثار السلبية
القلق والتوتر
الأطفال الحساسون قد يعانون من مستوياتٍ أعلى من القلق والتوتر، خاصةً في المواقف الجديدة أو غير المتوقّعة، فهم يقلقون بشأن تفاصيل صغيرة، ويشعرون بالخوف من الأشياء التي لا تسبّب قلقاً للأطفال الآخرين.
الخجل والانطواء
يميل الطفل الحساس إلى الانسحاب من المواقف الاجتماعية أو الشعور بالخجل المفرط بسبب حساسيته العالية تجاه ردود فعل الآخرين والمواقف الاجتماعية التي قد تصادفه، لذا يتجنّب التفاعل مع الآخرين خوفاً من التعرّض للنقد أو الإحراج.
الاستجابة العاطفية المُبالغ بها
يمكن أن يشعر الطفل الحساس بالإرهاق بسهولة نتيجةً للمواقف العاطفية التي يتعرض لها، فهو يتفاعل بشكلٍ مكثّفٍ مع المشاعر السلبية، مثل: الحزن، أو الغضب، ويجد صعوبةً في التعامل معها أو تجاوزها.
التعرُّض للضغوط النفسية
الأطفال الحساسون قد يشعرون بضغطٍ نفسي كبير نتيجة تحمُّلهم لمشاعر الآخرين، بالإضافة إلى مشاعرهم الخاصة، فيصبحون عرضةً للاكتئاب أو القلق المستمر إذا لم يتلقوا الدعم العاطفي المناسب.
تحدّيات في التكيّف
في بعض الأحيان يواجه الطفل الحساس صعوبةً في التكيّف مع التغيرات أو التحولات في حياته سواءً كانت في المنزل، المدرسة، أو المجتمع، فهذه التغيرات تثير لديه مشاعر عدم الأمان، وتزيد من توتره.
2- الآثار الإيجابية
الوعي الذاتي
الأطفال الحساسون غالباً ما يمتلكون درجةً عاليةً من الوعي الذاتي الذي يمكن أن يساعدهم في فهم مشاعرهم بعمق، والعمل على تطوير مهارات التعامل مع التحديات العاطفية بشكلٍ فعّال.
التعاطف مع الآخرين
يمكن أن يكون الأطفال الحساسون أصدقاء داعمين، ولديهم قدرة عالية على تقديم المساعدة لمن حولهم.
الإبداع والخيال الواسع
الأطفال الحساسون عادةً يكونون مبدعين، ويتمتعون بخيالٍ واسع، فقدرتهم على الإحساس بالتفاصيل الدقيقة قد تنعكس في الفنون، الكتابة، أو الأنشطة الإبداعية الأخرى.
كيف يجب أن يتعامل الأهل مع الطفل الحساس؟
إن التعامل مع الطفل الحساس يتطلب من الأهل التفهم والصبر، بالإضافة إلى توفير بيئةٍ داعمة تساعد الطفل على تطوير مهاراته العاطفية والتكيّف مع مشاعره، وسنطرح بعض النصائح التي تساعد الأهل فعلاً في التعامل مع الطفل الحساس بطريقةٍ فعّالة:
1- التفهُّم والقبول
من المهمّ أن يشعر الطفل أن مشاعره مفهومة ومقبولة، أي يجب تجنُّب التقليل من مشاعره أو قول عبارات مثل: “لا داعي للبكاء”، أو “أنت تبالغ” لأن ذلك قد يزيد من حساسيته، ويشعره بعدم الفهم من قبل أقرب الناس إليه، كما يجب تخصيص وقتٍ للاستماع إليه حين يُعبّر عن مشاعره، وأن يكون الإصغاء دون حكم أو محاولة تقديم حلول فورية، وبدلاً من ذلك يجب التعاطف والتفهُّم لما يشعر به الطفل، وما يقوله.
2- توفير الدعم في الأوقات الصعبة
أي إذا كان الطفل يعاني من موقفٍ محبطٍ أو مرهق يجب أن يكون الوالدان إلى جانبه لدعمه عاطفياً، وتشجيعه على الحديث عما يزعجه.
3- تعليم مهارات التكيُّف وإدارة العواطف
يمكن لتقنيات، مثل: التنفُّس العميق، التأمل، أو الاستماع إلى الموسيقى الهادئة أن تساعد الطفل الحساس في تهدئة نفسه عندما يشعر بالقلق أو الانزعاج.
4- تقديم حلولٍ عمليةٍ للتعامل مع المواقف الصعبة
وذلك بمساعدة الطفل على تطوير استراتيجياتٍ للتعامل مع المواقف التي تثير حساسيته، مثل: التحضير للمواقف الاجتماعية المهمة، أو التعامل مع الضوضاء أو التوتر، كما يمكن تعليمه كيفية تهدئة نفسه أو طلب المساعدة عندما يشعر بالإرهاق.
5- خلق بيئةٍ آمنةٍ ومستقرة
إن الأطفال الحساسين يميلون إلى الشعور بالأمان والراحة عندما يكون لديهم روتين ثابت، لذا يجب محاولة تجنُّب التغييرات المفاجئة في الروتين، وتقديم بيئةٍ منزليةٍ هادئةٍ ومستقرة تساعد الطفل على الاسترخاء بعيداً عن المؤثرات البيئية المزعجة، كالضوضاء العالية أو البيئات المزدحمة.
6- تنمية الثقة بالنفس
ويتمُّ ذلك بالتركيز على نقاط قوة الطفل ومدحه على تعاطفه، إبداعه، واهتمامه بالتفاصيل، فذلك يساعده على بناء ثقته بنفسه، ويقلّل من تأثير الحساسية على شعوره بالقلق أو الخجل.
7- دفع الطفل نحو التجارب الجديدة
يمكن تقديم تجارب جديدة للطفل بطريقةٍ لطيفةٍ وتدريجية، مثل: دعوته للقاء أطفال جدد في بيئةٍ مألوفة أو تنظيم نشاطٍ هادئ في مكانٍ يعرفه، فهذا يساعده على تطوير مهارات التكيُّف الاجتماعي.
8- القدوة الإيجابية
من المهمّ أن يُظهر الأهل نموذجاً جيداً في كيفية التعامل مع المشاعر، فعندما يرى الطفل والديه يتعاملان مع المواقف الصعبة بهدوء وتفهم، فإنه سيتعلم تقنياتٍ مشابهة لإدارة عواطفه الخاصة.
9- التواصل مع المدرسة
من الضروري التواصل مع المدرسة لإبلاغ المعلمين بخصائص الطفل الحساس، وطلب دعمهم لتقديم بيئةٍ تعليميةٍ مريحةٍ له ومراعاة احتياجاته الخاصة. [1]
في النهاية، فإن الطفل الحساس هو هبة مميزة بفضل عمق مشاعره ووعيه الفطري بالعالم من حوله، لكن يتطلب التعامل معه مزيجاً من التفهُّم، الدعم، والتشجيع على التكيُّف مع مشاعره بطرقٍ صحية، فمن خلال تقديم بيئةٍ آمنةٍ ومستقرة، وتعليمه كيفية إدارة مشاعره يمكن للأهل أن يساعدوا طفلهم على تحويل حساسيته إلى قوةٍ إيجابية تساهم في تطوير شخصيته، وتعزيز ثقته بنفسه.
المراجع البحثية
1- Raising Your Spirited Child. (N.d.). Amazon.com. Retrieved October 4, 2024