Skip links
شاب وفتاتان يجلسون على الأرض أمام جدار زهري اللون

الصداقة من منظورٍ فلسفي

الرئيسية » المقالات » الصحة النفسية » العلاقات » الصداقة من منظورٍ فلسفي

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

ما هو تعريف الصداقة؟

هي علاقة المودة المتبادلة بين الناس، وهذه العلاقة عميقة، وأقوى من الروابط الشخصية العادية الأخرى، كالزمالة ونحوها، ويقتصر مفهوم الصداقة على عددٍ قليلٍ من العلاقات العميقة جداً بين شخصين أو أكثر تجمعهم سماتٌ مشتركة، كالاستمتاع بالوقت معاً، والانخراط في دورٍ إيجابيٍّ وداعمٍ لبعضهم البعض.

الصداقة هي علاقةٌ شخصيةٌ مميزة ترتكز على اهتمام كل صديقٍ برفاهية الآخر، وتنطوي على درجةٍ معينةٍ من العلاقة الحميمة، وعلى هذا النحو، فإن الصداقة تعدُّ أمراً أساسياً في حياتنا، لأن الأصدقاء لهم النصيب الأكبر من الاهتمام، ويمكنهم المساعدة في تشكيل هويتنا. [1]

الصداقة والنظرية الأخلاقية

لابدَّ من التوفيق بين متطلبات الصداقة، ومقتضيات الأخلاق في الحالات التي يبدو فيها الاثنان متعارضان، فطبيعة الصداقة تقتضي الرعاية المُتبادلة، والعلاقة الحميمة، والنشاط المشترك، بينما تنبع قيمة الصداقة من القيمة الأخلاقية الفردية والاجتماعية. في كثيرٍ من الأحيان، يهدف اللجوء للصداقة إلى تجاوز النزاعات التقليدية بين الأنواع الرئيسية من النظريات الأخلاقية.

ما هي طبيعة الصداقة؟

تتضمن الصداقة بشكلٍ أساسي نوعاً مميزاً من الاهتمام بالصديق، وهو نوعٌ من الحب، ومن المهمّ عدم إساءة فهم نوع الحب الذي تنطوي عليه الصداقة، فالحب هو الأكثر صلةً بالصداقة، لذلك غالباً ما يتمُّ جمع الحب والصداقة معاً كموضوعٍ واحد.

ومع ذلك فهناك اختلافٌ بينهما، فالحب موقفٌ تقييميٌّ موجّهٌ نحو أشخاصٍ معينين سواءً أكان هذا الحبُّ متبادلاً أم لا، أما الصداقة، فهي على النقيض من ذلك، لأنها أساساً نوعٌ من العلاقة المرتكزة على نوعٍ معينٍ من الاهتمام الخاص الذي يشعر به كل طرفٍ تجاه الآخر، فإذا كان من الممكن أن يكون الحب غير متبادل، فإن الصداقة غير المتبادلة لا معنى لها.

الصداقة في المفهوم الفلسفي

1- الصداقة من منظور أرسطو (Aristotle)

في المناقشات الفلسفية حول الصداقة، من الشائع اتّباع أرسطو في التمييز بين ثلاثة أنواع من الصداقة: صداقة المتعة، وصداقة المنفعة، وصداقة الفضيلة، وعلى الرغم من أنه من غير الواضح بعض الشيء كيفية فهم هذه الفروق، ولكن يبدو أن فكرة المتعة، والمنفعة، والفضيلة تنطوي على الأسباب التي تجعلنا نحبُّ أصدقاءنا في أنواع العلاقات المختلفة.

أي أن الصديق يحب صديقه بسبب المتعة التي يحصل عليها بصحبته، أو بسبب الطرق التي ينفعه بها، أو لأنه يجده فاضلاً، ونظراً لوجود الحب في كل حالة، يبدو أن الأنواع الثلاثة من الصداقة تنطوي على الاهتمام بالصديق من أجله، وليس من أجل الذات.

لذلك يبدو أن صداقات المتعة والمنفعة هي في أفضل الأحوال أشكالٌ ناقصةٌ من الصداقة، وعلى النقيض من ذلك، فإن الصداقة الجيدة القائمة على مزايا شخصية الصديق الفاضل هي صداقةٌ حقيقية وغير ناقصة.

يرى أرسطو أن الصديق هو الشخص الذي يتمنى، ويفعل أشياء جيدةً لصديقه، كما يتخذ نفس الخيارات التي يتخذها صديقه، ويملك مع صديقه الرأي ذاته في الحكم على الأشياء بأنها ممتعة أو مؤلمة، وهذا يدلُّ على وجود وجهة نظرٍ مماثلة حول الأسباب التي دفعت للاختيار، فالأصدقاء لديهم أوجه التشابه التي تسبق صداقتهم كشرطٍ ضروري للصداقة، كما يمكن للأصدقاء التأثير على النظرة التقييمية لبعضهم البعض، وتشكيلها بحيث يتمُّ تعزيز القيمة من خلال علاقتهم.

ومن خلال الفكرة الأرسطية القائلة بأن الأصدقاء يعملون بمثابة مرآةٍ لبعضهم البعض، يظهر أن الشخص يعرف نقاط الضعف والقوة في شخصيته من خلال معرفة صديقٍ يعكس صفات شخصيته، أما بالنسبة للاختلافات البسيطة بين الأصدقاء كأن يختار الصديق خياراً مخالفاً لخيار الآخر، فهذا الأمر يجعل الشخص يفكر فيما إذا كان هذا الاختلاف يكشف عن خللٍ في شخصيته قد يحتاج إلى إصلاح، وبالتالي تعزيز التشابه بين الشخصيتين، لأن أرسطو يرى أن الصديق هو (ذاتٌ أخرى).

2- الصداقة من منظور كوكينج وكينت (Cocking and Kennett)

يجادل كوكينج وكينيت ضدَّ وجهة النظر السابقة بطريقتين:

أولاً: هما يزعمان بأن وجهة النظر هذه تركز كثيراً على التشابه كحافزٍ للصداقة، والحفاظ عليها. في حين يمكن أن يكون الأصدقاء مختلفين تماماً عن بعضهم البعض بالرغم من وجود الميل الداخلي لكي يصبحوا متشابهين أكثر فأكثر، ولكن يجب فهم ذلك على أنه تأثير الصداقة، وليس شيئاً مكوناً لها.

ثانياً: يجادلان بأن اللجوء إلى دور الصديق كمرآةٍ لتفسير التشابه المتزايد ينطوي على إسناد الكثير من السلبية للصديق، فمن وجهة نظرهما إن الأصدقاء يلعبون دوراً نشطاً في تشكيل شخصيات بعضهم البعض، والرؤية الانعكاسية تفشل في الاعتراف بذلك.

3- الصداقة من منظور فريدمان، وروري، وبادوار (Friedman، Rory and Badhwar)

لا تمتدُّ المحبة إلى الأصدقاء فحسب، بل أيضاً إلى أفراد الأسرة، وشركاء العمل، وغيرهم، وتختلف الروايات المعاصرة عن الصداقة حول ما إذا كان يمكن لأفراد الأسرة، وخاصةً الأطفال قبل أن يصبحوا بالغين، من أن يكونوا أصدقاء.

لا يعتقد معظم الفلاسفة أن الصداقة هي في الأساس علاقةٌ بين أشخاص متساوين، ومع ذلك فإن بعض الفلاسفة مثل فريدمان وروري وبادوار يسعون صراحةً أن تشمل رواياتهم عن الصداقة العلاقة بين الوالدين والطفل ربما من خلال تأثير المفهوم التاريخي للحب. في الروايات الفلسفية عن الصداقة، تتكرر عدة مواضيع باستمرار على الرغم من اختلاف الروايات في كيفية توضيحها بدقة، وهذه المواضيع هي:

الرعاية المتبادلة

وهي شرطٌ ضروريٌّ للصداقة، وتقتضي أن يهتمَّ الأصدقاء ببعضهم البعض، وأن يحبوا بعضهم، وأن يتأثروا بما يحدث لأصدقائهم، ليشعروا بالمشاعر المناسبة، كالفرح بنجاحات أصدقائهم، والإحباط، وخيبة الأمل، لإخفاقات الأصدقاء، وما إلى ذلك. كما يجب أن يكونوا مستعدين لتعزيز خير بعضهم البعض، وهو أننا نهتمُّ بأصدقائنا بسبب صفاتهم الجيدة التي نكتشفها في شخصياتهم، وهذا يتماشى مع الحب.

يقدم فريدمان طريقةً أخرى لفهم تأثير الصديق على إحساسه بالقيمة من خلال اللجوء إلى فكرة (الإغداق)، قائلاً: “إنه إذا أردنا أن نبني صداقتنا بناءً على تقييماتٍ إيجابيةٍ لتميز صديقنا، فعند هذا الحدّ يكون التزامنا تجاه ذلك الشخص خاضعاً لالتزامنا بالمعايير التقييمية ذات الصلة، ويكون ليس التزاماً جوهرياً تجاه ذلك الشخص”.

وفقاً لفريدمان، فإن العلاقة الحميمة في الصداقة تأخذ شكل التزام الأصدقاء تجاه بعضهم البعض كأشخاصٍ فريدين، وهو التزام تصبح من خلاله نجاحات الأصدقاء مناسبات للفرح، فقد يشجع سلوكها على المحاكاة. ومع ذلك، إن اللجوء إلى تقييم الصفات الجيدة لشخصية الصديق من أجل تبرير الصداقة لا يعني في حدّ ذاته إخضاع الصداقة لهذا التقييم، وعوضاً عن ذلك، من خلال الصداقة والتغييرات التي تطرأ على الصديق مع مرور الوقت قد نتمكن من تغيير نظرتنا التقييمية.

وبطبيعة الحال، في الصداقة لا يجب أن يسير التأثير في اتجاهٍ واحدٍ فقط، فالأصدقاء يؤثرون على مفاهيم بعضهم البعض حول القيمة، وكيفية العيش. في الواقع، إن تأثير الأصدقاء المتبادل على بعضهم البعض هو جزءٌ من الاهتمام بالمساواة التي يراها الكثيرون ضروريةً للصداقة.

الصداقة الحميمة

تختلف علاقة الصداقة الحميمة عن العلاقات الشخصية الأخرى، حتى التي تتميز بالاهتمام المتبادل مثل العلاقات بين الزملاء، فالصداقة الحميمة بشكلٍ بديهي هي علاقاتٌ أعمق، وأكثر حميمية، وهذا يعني أنها نوع من الصداقة المثالية الوثيقة إلى أقصى حدّ.

النشاط المشترك

الخيط المشترك الأخير في التفسيرات الفلسفية للصداقة هو النشاط المشترك، فإن مشاركة أي نشاطٍ مع شخصٍ ما، والتفاعل معه لا يعني أبداً أن يكون هناك علاقة معه يمكن أن تُسمّى بالصداقة، حتى لو كان كل طرفٍ يهتمُّ بالآخر، لأن الأصدقاء ينخرطون في مساعٍ مشتركةٍ جزئياً بدافعٍ من الصداقة نفسها.

تشمل هذه الأنشطة المشتركة صنع أشياءٍ، واللعب، والتحدث معاً، وغير ذلك من الأنشطة التي تتضمن بشكلٍ أساسي تجارب مشتركة بدافع الصداقة نفسها. إن النشاط المشترك مهمٌّ لأن الأصدقاء عادةً ما يكون لديهم اهتماماتٌ مشتركة، كجزءٍ من الصداقة الحميمة التي تميز الصداقة في حدّ ذاتها، ولذلك فإن هذه المصالح المشتركة تشكل جزءاً مهمّاً من الصداقة.

4- الصداقة من منظور وايتينج (Whiting)

يعتقد وايتنج بالمسؤولية تجاه (الذات المستقبلية)، أي السبب الذي يجعلنا نهتمُّ بذاتنا بما في ذلك ذاتنا المستقبلية، وهو نفس السبب الذي يجعلنا نهتمُّ بأصدقائنا، لأننا ندرك القيمة الجوهرية للذات الإنسانية. وايتنج لا يدعي فقط أن الأصدقاء يتشاركون القيم من حيث إن القيم تتطابق، ولكن بخصائص القيمة الجوهرية التي يجسدها كلٌّ منهم، فاهتمام الصديق بصديقه هو من أجل التزامه بتذكيره بما له قيمةٌ حقيقية في الحياة، وتعزيز الالتزام بهذه القيم بداخله لمنعه من الضلال.

5- الصداقة من منظور (Thomas) توماس

يزعم توماس أن في نوع الصداقة الحميمة يتمُّ الكشف المتبادل عن الذات بهدف خلق (رابطة الثقة) الضرورية للصداقة، كأن يخبر الأصدقاء بعضهم بتفاصيل حميمة عن حياتهم لا يمكن إخبارها للآخرين، فمن خلال هذا الكشف عن الذات نجعل أنفسنا عرضةً لبعضنا البعض، ونعترف بحسن نية الآخر تجاهنا.

6- الصداقة من منظور تيلفر، ووايت (Telfer and White)

يرى تيلفر أن (الإحساس بالرابطة) هي مركزية المصالح المشتركة لدى الأصدقاء، وهي مشابهةٌ لفكرة (التضامن) التي يدعو إليها وايت باعتبارها محورية الصداقة، وتعني تقاسم القيم والشعور بما هو مهمّ، بمعنى أن توافق المصالح والقيم، وهو شرطٌ ضروريٌّ لتطوير الصداقة، والحفاظ عليها. لذلك فإن تيلفر ووايت في مناشدتهما لمثل هذا الشعور المشترك بالقيمة يقدمان إحساساً أكثر ثراءً إلى حدٍّ ما من توماس.

7- الصداقة من منظور كوكينغ، وكينيت (Cocking and Kennett)

إنهما يركزان على فكرة (الأسرار)، فليست مشاركة المعلومات الشخصية الخاصة جداً في حدّ ذاتها هي التي تسهم في روابط الثقة والألفة بين الأصدقاء، فالصداقة تقوم بشكلٍ أساسي على الاهتمام بمصلحة الصديق، والتصرف نيابةً عنه بما فيه مصلحته، وبالتالي الدخول في علاقة صداقة، والحفاظ عليها يتضمن عادةً حسن نية، وثقةً كبيرةً معززةً يمكن أن تؤدي إلى مصالح مشتركة، وتؤدي إلى درجةٍ عاليةٍ من التعاطف، وليس فقط فيما يتعلق بالأسرار. [1]

المراجع البحثية

1- Helm, B. (2021, July 30). Friendship. Stanford Encyclopedia of Philosophy. Retrieved November 27, 2023

This website uses cookies to improve your web experience.