تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

ما هو اضطراب السيكوباتية؟

هذه الشخصية تعتبر من أكثر النماذج المعقدة والغامضة، بل والمريضة في علم النفس، وذلك بسبب الطبيعة المتناقضة، والسلوكيات غير السوية التي يقوم بها أصحاب هذا النمط، فالشخص السيكوباتي يتمتع بجاذبيةٍ مؤذية سطحية، أي أنه لا يكنّ لأحدٍ أي احترام، بل هو فقط يتظاهر بذلك، وهذا ما يجعل سحره على من حوله أقوى، وفي زاويةٍ أخرى من الحقائق قد نجده في الواقع، وعندما نتقرب منه أكثر نجده غير مبالٍ، وعديم المسؤولية، ولا يشعر بالندم على ما يقوم به.

كما أنه لا يمتلك مشاعر وأحاسيس عاطفية، إضافةً إلى أنه كثير الشكوك، ومتلاعب بمن حوله، يجيد فنون التحكم والسخرية من الجميع دون التفكير بأهمية المبادئ والقيم الأخلاقية، ولا يكترث أبداً برأي أحد، قد يعطي انطباع التقبُّل، لكنه في الحقيقة لا يهتمُّ أبداً. ^[1]

ما هي خصائص وسمات الشخصية السيكوباتية؟

تمتلك هذه الشخصية ميزات وطبائع فريدة ومختلفة عن باقي الشخصيات، ومن أهمّها: ^[2]

1- عدم التحلي بالعاطفة والحنان

لا يشعر بألم الآخرين، ولا يعطي أولويةً لمشاعرهم، وبالتالي عندما يكون فاقداً للإحساس، فيمكنه أن يؤذي ويلحق الضرر بمن يشاء دون الشعور بالذنب.

2- الكذب والمنافقة

فالأشخاص الذين يعانون من السيكوباتية يتمُّ تصنيفهم في الصفوف الأولى من ناحية الكذب والمراوغة دون تردد، فالكذب بالنسبة لهم هو أساس الحياة، ووسيلة لتحقيق تطلعاتهم، ولديهم قدرة فائقة على إقناع الآخرين بكل ما يقولونه مع إثبات صحته.

3- التسرع وعدم الثبات

إنهم مندفعون للغاية في كل شيء حتى في قراراتهم المصيرية، ويتخذون قراراتهم دون تخطيطٍ أو تقييمٍ على المدى القريب والبعيد، ولا يفكرون بمدى تأثيرها على حياة الآخرين من حولهم.

4- التلاعب بالأشخاص

وهي صفة السيكوباتيين ومن دون منافسة أحد لهم، لأنهم حريصون على قول أجمل العبارات، والتحدث بكل لطافة، حيث يستغلون نقاط ضعف من حولهم، ويستخدمونها ضدهم، فعلى سبيل المثال: قد يعلم السيكوباتي أن زميله لديه عائلة فيها الأب والأم منفصلان، وهما أثرياء جداً، لا شك بأنه سيستغل هذه النقطة ليحيطه بكل ما قد حُرم منه للحصول على جزءٍ من ثروته، ولكي يظل تحت حكمه.

5- النرجسية

السيكوباتي نرجسي لا يفضل أحداً على نفسه، ولو أظهر العكس بحضوره وجاذبيته، إلا أن وجهه الثاني هو المتحكم به، وهو شديد الحرص على عدم إظهاره أبداً.

ما هي أسباب الشخصية السيكوباتية؟

فيما يلي توضيح لأهمّ الأسباب: ^[3]

1- العوامل البيولوجية والوراثية

غالباً ما ينتشر الاعتلال النفسي في العائلات، وتشير دراسات التوائم والعائلات إلى أن الاختلافات الجينية غالبًا ما تلعب دورًا في وراثة السمات السيكوباتية.

2- أما من الاتجاه البيولوجي

كذلك آخر الأبحاث كشفت عن وجود تبايناتٍ في بعض المناطق الدماغية لدى المصابين، وخاصةً تلك المتعلقة بالعاطفة والأحاسيس، كاللوزة الدماغية، والقشرة الجبهية.

3- المحيط الاجتماعي

تساهم البيئة في تطور هذا الاعتلال بشكلٍ كبير، وبالأخص عندما يكون الفرد ضحيةً لبيئةٍ غير مستقرة أو في حال وجود مشكلاتٍ سابقة في الشخصية، كالإهمال، أو الإساءة النفسية، أو في حال الدخول في علاقاتٍ مع أشخاص تعزز من منحى هذه الشخصية، على سبيل المثال: التعرض لشخصٍ نرجسي، فإنه حتماً سينقل سماته، وسيتأثر بها السيكوباتي ليطور من ذاته، ولكن مع الأسف في الجانب الخطأ.

4- التجارب الشخصية ونواتجها

أثر الماضي على حياة الفرد، ودوره في تعزيز السمات السيكوباتية، على سبيل المثال: قد يؤدي الخطأ المتكرر، والفشل في إقامة علاقةٍ عاطفيةٍ صحية إلى التصرف بطرقٍ عدوانية، بالإضافة للانعزال بشكلٍ تام، والخوف من ذلك.

5- العوامل الاجتماعية والاضطرابات النفسية

تؤثر هذه الاضطرابات، كالإدمان، أو الفصام على المصاب، وتؤدي لتحفيز النشاطات السيكوباتية لديه، كالوحدة، وعدم الاندماج الاجتماعي، والنظر لكل الناس بكراهية ولؤم.

ما هو تشخيص الشخصية السيكوباتية؟

إن تشخيص هذا النمط من الشخصيات يحتاج لوجود عدة سماتٍ وسلوكيات محددة، ويعتبر هذا النوع جزءاً من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع وفقاً للدليل التشخيصي للاضطرابات النفسية (DSM-5)، وإليكم بعض الصفات التي تميزها: ^[4]

1- نمط شائع من الطمع، واستغلال حقوق الآخرين، وغالباً ما يظهر ذلك من بداية سن 15.

2- عدم الانصياع للأعراف الاجتماعية، ويحدث ذلك عندما ينخرط الفرد في أفعال مؤذية وغير إنسانية، وتكرار ذلك دائماً.

3- الفشل في التخطيط للمستقبل، واللامبالاة بأحد.

4- عدم تحمل المسؤولية، ويظهر ذلك من خلال الفشل الدائم في الدراسة، وعدم تحقيق الأهداف.

5- انعدام المشاعر، وعدم التفكير في الغير، وخلق تبريراتٍ دائمة تجاه ما يفعل من تصرفاتٍ غير لائقة من إهاناتٍ وسخريةٍ وعدوان.

6- مستوىً عالٍ جداً من النرجسية، وذلك من خلال شعوره المتكرر بالتفوق على الآخرين، وأنه أفضل من أي أحد، وهو الوحيد الذي يستحق الثناء عليه، وإعطاؤه المزيد من الصلاحيات والامتيازات.

ومما سبق يمكن القول إن تشخيص السيكوباتية تتطلب بالإضافة لما ذكر مقابلاتٍ سريرية، ومراقبةً قد تكون طويلة الأمد مع إجراء اختباراتٍ معينة.

ما هو علاج الشخصية السيكوباتية؟

إن علاج هذا النوع من الشخصيات يعدُّ تحدياً كبيراً لأن الجهد المبذول من قبل الأخصائي كبير جداً، وبسبب طبيعة الاضطراب أيضاً، وبالرغم من ذلك توجد بعض الاستراتيجيات الفعّالة والمفيدة، ونذكر منها: ^[5]

1- العلاج المعرفي السلوكي

نمط علاجٍ نفسي منظم وشائع لمساعدة الفرد على التغيير من نفسه، وتحقيق ما يطمح إليه دون أن يتسبّب بجرح أو أذية أحد، فهو يجعل المصاب يدرك نفسه بنفسه، ويتمّ ذلك عن طريق توجيه بعض الأسئلة المؤثرة إليه، وتركه لوحده ليخلق لها إجابات قد تكون صحيحة، وقد تكون خاطئة.

وسيدرك عندها كيف سيقابله الأخصائي النفسي لأن تعامل السيكوباتي مع الأخصائي يختلف كثيراً عن تعامله مع الناس، وعندها سيشاهد بأمّ عينه أن لكل فعلٍ ردّ فعل، وأنه مهما طال الزمن سيأتي من يرد له الاعتبار على ما كان يقوم به مع من حوله، ففي مرحلة الوعي هذه سيرى عنده بصيص الأمل، وسيدرك وبعد مدة من الجلسات أنه كائن طيب بالفطرة، ولكن ما نشأ وحصل عليه، وقابله جعل منه فرداً مريضاً، وبعد الوعي سيتمّ التطبيق، وعندها سيتأقلم على مسار حياته الجديد من تقبل، وفرح، ورضا، وسعادة.

2- العلاج الدوائي

لا يوجد علاج دوائي لهذا النوع من الشخصيات، وما يمكن استخدامه من أنواع أدوية مرتبط بعلاج حالاتٍ لأعراض مرتبطة بهذا الاضطراب، كالاكتئاب أو العدوان إلى القلق، والذي يمكن استخدامه هو مضادات القلق، أو الاكتئاب، أو مثبتاتٍ للمزاج.

3- التدخل المبكر

في حال تمّت ملاحظة الطفل من قبل أحد من أفراد أسرته أو من قبل مرشده الخاص في المدرسة، فمن الضروري النقاش معه، ومعرفة الحالة، ووضع تقييمٍ لشخصيته، لأن ذلك يعدّ خطوةً إيجابيةً للتقليل من الآثار المرضية في المستقبل.