Published in: الفضاء

السُّدم

Author د. جاسم الفواز

Published on: 25 مايو، 2023

د. جاسم الفواز

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

ما هو السّديم؟

السّديم (Nebulae) هي كلمةٌ لاتينيةٌ تعني (السحابة)، ولكن في سياق فلكيّ تُشير إلى أي كائنٍ سماويّ يبدو مثل السحابة الملونة عند رؤيته من خلال التلسكوب. غالباً ما يوجد السّديم في الفضاء بين النجوم، والمعروف بالوسط النجمي (Interstellar medium)، ومعظم الغاز في السُّدم قادر على التوهُّج بألوانٍ جميلةٍ وباهرة، وهذا ما يُعطي السُّدم منظراً جميلاً جداً للتصوير. ^[1]

كيف اكتشفت السُّدم؟

كان أول ذكر للسُّدم في التاريخ الإنساني في عام 964 ميلادي من قِبل عالم الفلك المسلم عبد الرحمن الصوفي (Abd Al-Rahman al-Sufi)، كما لوحظ أن علماء الفلك العرب والصينيون الأوائل كتبوا إشارات عن سديم السرطان. ^[2]

وفي عام 1610 أي بعد عامين من اختراع التلسكوب اكتشف الفرنسي نيكولاس كلود فابري دي بيريسك (Nicolas-Claude Fabri de Peiresc) سديم الجبَّار (Orion Nebula)، الذي يشبه النجم بالعين المجردة. وفي عام 1656 كان الهولندي كريستيان هيغنز أول من وصف المنطقة الداخلية الساطعة للسُّدم.

أعطى علماء الفلك في أوائل القرن الثامن عشر أولويةً عاليةً للبحث عن المُذنَّبات، فكان أحد النتائج الثانوية لبحثهم هو اكتشاف العديد من السُّدم الجديدة حيث قام باحثوا المُذنَّبات بتجميع عدد من الفهارس (الكاتالوجات) لتنظيم مكتشفاتهم أشهرها فهرس الفرنسي تشارلز ميسييه (Charles Messier) الذي فَهرس في عام 1781 حوالي 103 من الأشياء الغامضة، فكان 11 منها عبارةً عن سُدم. ^[3]

كيف تتشكّل السُّدم؟

هنالك عدة طرقٍ رئيسيةٍ لولادة السُّدم، والأكثر شيوعاً هو انفجار مُستعرٍ أعظم (Supernova) يمكن أن يحدث أيضاً عندما ينهار نجمٌ من صنف القزم الأبيض، فالغاز والحطام المُتبقّيان يُشكّلان السّديم الجديد، مثل: سديم السرطان (Crab Nebula)،

أما الطريقة الأخرى التي يتشكّل بها السّديم هي عندما يبدأ أي عملاقٍ غازيّ (Gas giant) في فقدان الغاز والكتلة لأنه يقترب من نهاية دورته مع إطلاق المزيد من الجُسيمات، فإنها تشكّل غيوماً غازيةً وغباراً تتحول إلى سُدمٍ كوكبية، وعندما تموت الشمس في نظامنا الشمسي، فمن المرجَّح أن تشكّل سديماً كوكبياً (Planetary nebula).

كذلك عندما تتشكل نجوم جديدة، وتنهار كميات كبيرة من المواد النجمية على نفسها بسبب الجاذبية يتعرض الغاز المُتبقّي والغبار للإشعاع، ويُشكلان سديماً إذاً هناك أصول مختلفة للسُّدم، ولكن النتيجة هي نفس الغاز، والغبار المُضاء بالطاقة، والأيونات، والإشعاع. ^[4]

ما هي أنواع السُّدم؟

1- السُّدم الانبعاثية (Emission Nebula)

السَّديم الانبعاثي: عبارةٌ عن سحابةٍ من الغازات ذات درجة حرارة عالية. ضمن هذا النوع من السُّدم يُنشط أي نجم ذرات السحابة بالأشعة فوق البنفسجية، فينبعث منها إشعاع يتسبّب في توهُّج السَّديم. تميل السُّدم الانبعاثية إلى اللون الأحمر بسبب وفرة الهيدروجين، ويمكنها إنتاج ألوانٍ إضافيةٍ، مثل: الأزرق، والأخضر بواسطة ذرات العناصر الأخرى، لكن الهيدروجين هو الأكثر وفرةً، كمثالٍ على السَّديم الانبعاثي سديم الجبَّار.

2- سديم الانعكاس (Reflection Nebula)

يختلف السَّديم الانعكاسي عن السَّديم الانبعاثي في أنه لا يصدر إشعاعات من تلقاء نفسه إنما يعكس الضوء القادم من نجمٍ أو مجموعةٍ من النجوم القريبة منه، تميل هذه السُّدم إلى اللون الأزرق بسبب الطريقة التي يتشتّت بها الضوء عبرها، ويُعتبر سديم تريفيد مثالاً على السَّديم الانعكاسي.

3- السَّديم المظلم (Dark Nebula)

السَّديم المظلم عبارةٌ عن سحابةٍ من الغبار تحجب الضوء القادم من النجوم أو السُّدم الأخرى الموجودة خلفها، وعادةً ما تُرى السُّدم المظلمة جنباً إلى جنب مع السُّدم الانبعاثية والانعكاسية. يُعتبر سديم رأس الحصان (Horsehead Nebula) في مجموعة الجبَّار أشهر مثالٍ على السَّديم المُظلم حيث يبدو كمنطقةٍ مظلمةٍ من الغبار على شكل رأس حصان تحجب الضوء من سديم انبعاث أكبر بكثير خلفها.

4- بقايا المُستعر الأعظم (Supernova Remnant)

يتمُّ إنشاء بقايا المُستعر الأعظم عندما ينهي نجمٌ حياته بانفجار حيث يدفع الانفجار كميةً كبيرةً من مادة النجم إلى الفضاء، فتتوهَّج سحابة المادة هذه ببقايا النجم المُحتضِر، وأحد أفضل الأمثلة على بقايا المُستعر الأعظم هو سديم السرطان. ^[5]

5- السَّديم الكوكبي (Planetary Nebula)

السَّديم الكوكبي هو منطقةٌ من الغاز والغبار الكوني تكونت من الطبقات الخارجية المُنبثقة لنجم مُحتضِر، فالنجم المُحتضِر يستمرُّ في طرد الغاز، بينما يتقلَّص اللبُّ المُتبقّي من النجم، ويبدأ مؤقتاً في إشعاع الطاقة مرةً أخرى. تتسبّب هذه الطاقة في تأمين الغاز، مما يعني أن الذرات والجزيئات في الغاز تصبح مشحونةً، وتبدأ في إصدار الضوء، وعلى الرغم من اسمها فإن السُّدم الكوكبية لا علاقة لها بالكواكب.

جاءت التسمية الخاطئة بسبب سوء تصنيفٍ تاريخي قبل 250 عاماً اعتقد علماء الفلك آنذاك أنهم كانوا ينظرون إلى الكواكب الغازية عندما لاحظوا المشهد الملون للسُّدم الكوكبية من خلال تلسكوباتهم الأقل قوةً، وتدوم السُّدم الكوكبية حوالي 20000 عام فقط مما يجعلها قصيرة العمر جداً. ^[6]

ما هي أشهر السُّدم المصوَّرة حتى الآن؟

هنالك الملايين والملايين من السُّدم في الكون بعضها أكثر شهرةً من البعض الآخر، وفيما يلي قائمة صغيرة بأشهر السُّدم التي تمَّ اكتشافها حتى الآن:

1- سديم عين القط (Cat’s Eye Nebula)

هو سديمٌ كوكبيٌّ في كوكبة دراكو (Draco). تمَّ اكتشافه لأول مرةٍ بواسطة ويليام هيرشيل (William Herschel) في عام 1786، وهو سديم معقَّدٌ للغاية في هيكله، حيث يمتلك عقدةً، والتواءاتٍ، وفقاعاتٍ، وأقواساً، وحلقاتٍ متحدة المركز، وهالةً كبيرةً جداً تمتدُّ لأكثر من ثلاث سنوات ضوئية.

2- سديم السرطان (Crab Nebula)

تمَّت ملاحظة سديم السرطان الملون لأول مرةٍ بواسطة جون بيفرJohn) Bevis) في عام 1731، ثم أعاد تشارلز ميسييه اكتشافه بشكلٍ مستقلّ في عام 1758 بينما في عام 1920 بدأ العلماء يدركون أنه تمَّ إنشاؤه بواسطة مُستعرٍ أعظم، ويعتقد الكثيرون أنه تمَّ رصده وتوثيقه من قبل علماء الفلك الصينيين، والعرب، والأوروبيين، وربما الأمريكيون الأصليون، والأستراليون الأصليون، وذلك بسبب سهولة رصده.

نظراً لأن العديد من العلماء يعتقدون أن بإمكانهم تحديد تاريخ المُستعر الأعظم الذي أنشأ سديم السرطان، فقد تمَّت دراسته بشكل مكثَّف، حيث يساعد معرفة عمر المُستعر الأعظم علماء الفلك على جمع معلوماتٍ حول كيفية تشكُّل بقايا المُستعر الأعظم، يأخذ سديم السرطان شكلاً بيضوياً تقريباً، ويشبه الكثير من الخيوط المنسوجة بشكل معقَّد تشبه إلى حدٍّ ما شبكة العنكبوت.

3- سديم رأس الحصان (Horsehead Nebula)

سُجِّل لأول مرةٍ في عام 1888 بواسطة ويليام فليمنغ (Willamina Fleming)، وهو سديمٌ مظلمٌ في كوكبة الجبَّار. نظراً لكونه سديماً مظلماً محاطاً بخلفيةٍ مضيئةٍ لذلك يظهر بشكل واضح في الصور، تحصل على اسمه من شكله، مثل العديد من السُّدم. حيث يبدو مثل رأس الحصان عند مشاهدته بتلسكوباتٍ من الأرض.

4- سديم النّسر (Eagle Nebula)

سديم النّسر هو منطقة تشكّل نجومٍ نشطةٍ على بعد 7000 سنةٍ ضوئيةٍ تمتدُّ عبر 70 سنةٍ ضوئية، ومن المحتمل أن يكون سديم النّسر معروفاً بشكلٍ أفضل بسبب أعمدة الخَلق (Pillars of Creation)، التي اشتهرت بتصويرها بواسطة تلسكوب هابل الفضائي عام 1995. الأعمدة عبارةٌ عن مناطق من الغبار والغاز الداكن الموجودة داخل سديم النّسر، والتي تمتدُّ حوالي 5 سنوات ضوئية، وتخفي النجوم المولودة حديثاً عن الأنظار. ^[9]

5- سديم الجبَّار (Orion Nebula)

يُعتبر سديم الجبَّار أحد أسهل السُّدم التي يمكن رؤيتها من الأرض، وهو سديم منتشر جنوب حزام الجبَّار في كوكبة الجبَّار، ويُعتبر من ألمع السُّدم حتى أنه مرئيٌّ للعين المجردة في ظروف السماء المعقولة، ويظهر بشكل جيد مع المناظير والتلسكوبات الصغيرة، ويتكهَّن بعض العلماء بأن حضارة المايا في أمريكا الوسطى ربما وصفت هذا السَّديم في إحدى أساطيرها.

الغريب أنه ورغم سهولة رؤيته في السماء إلا أن العديد من علماء الفلك الأوائل لم يلاحظوه عندما كانوا يكتبون عن المناطق الضبابية أو السُّدم، وحتى جاليليو لم يذكرها على الرغم من ملاحظاته باستخدام تلسكوب المناطق المحيطة به. يُنسب اكتشافه إلى نيكولاس كلود فابري دي بيريسك في عام 1610، على الرغم من أن أول شخص نشر عنها كان يوهان بابتيست سيستات في عام 1619. ^[7]

كيف نحُدِّد موقع سديم الجبَّار؟

يقع سديم الجبَّار على بعد حوالي 1300 سنةٍ ضوئيةٍ من الأرض، ويبلغ قطره من 30 إلى 40 سنة ضوئية، تلد هذه السحابة ربما ألف نجم. بعض العلماء يشيرون إليه على أنه العنقود النجمي لسديم الجبَّار (Orion Nebula Star Cluster)، وفي عام 2012 اقترح فريقٌ دوليٌّ من علماء الفلك أن هذا التجمُّع في سديم الجبار قد يحتوي على ثقبٍ أسود في قلبه، فإذا كنت ترغب في العثور على هذا السَّديم الشهير عليك أولاً تحديد موقع كوكبة الجبَّار، ولحسن الحظ هذا سهل، فهي تظهر في أشهر الشتاء في نصف الكرة الشمالي (أشهر الصيف في نصف الكرة الجنوبي).

ابحث عن النجوم الثلاثة المتجاورة التي تمثُّل حزام الجبَّار، وبعد ذلك إذا نظرت عن كثَب، ستلاحظ وجود خطٍّ مُنحنٍ من النجوم يتدلَّى من نجوم الحزام الثلاثة، وتمثُّل هذه النجوم سيف الجبَّار ثم ابحث عن سديم الجبَّار في منتصف الطريق أسفل سيف الجبَّار، وكقاعدةٍ عامة كلما ارتفعت كوكبة الجبَّار في السماء، كان من الأسهل رؤية سديم الجبَّار من مواقع نصف الكرة الشمالي. ^[8]