الرؤية الوجودية عند ابن حيان التوحيدي
قائمة المحتويات
المعرفةُ هي الإدراكُ والوعيُ وهي مرتبطةٌ بالإنسان، وهي حقيقةٌ أزليةٌ بدأت منذ أن خلق الله عزَّ وجلّ سيدنا آدم عليه السلام، وعلّمهُ كلَّ شيء، قال تعالى: “وعلَّمَ آدمَ الأسماءَ كلَّها ثمّ عرضهم على الملائكةِ فقالَ أنبئوني بأسماءِ هؤلاء إن كنتم صادقين” {البقرة 31}، كما زوّد اللهُ الإنسانَ بالعقل الذي هو أداةُ التفكيرِ المعرفيّ حتى يكون قادراً على الاستمرار في الحياةِ والمُضيِّ قُدُماً في إعمارها، ليكون بمقدوره إعمار جنته المنشودة على الأرض.
فالعقلُ عند الإنسان طريقهُ لمعرفةِ نفسه والكون وصولاً إلى معرفةِ خالقِ هذا الكون عزَّ وجلّ، قال تعالى: “وفي أنفسكم أفلا تبصرون”{الذاريات 21}.
ما هو رأيُ ابن حيان التوحيدي في حقيقة وجود الإنسان؟
يقول التوحيدي: “زعمت الحكماء على ما أوجبه آراؤها ودياناتها أن الوحي القديم النازل من الله قولٌ للإنسان: اعرفْ نفسك فإن عرفتها عرفت الأشياء كلّها، وهذا قولٌ لا شيءَ أقصر منه لفظاً ولا أطول منه فائدةً ومعنىً، وأولُ ما يلوح منه الزرايةُ على من جَهل نفسه ولم يعرفها، وأخلق به جهلها أن يكون لما سواها أجهل، وعن المعرفة به أبعد، فيصيرُ حينئذٍ بمنزلة البهائم، بل أرى أنه أسوأ منهم وأشدَّ انحطاطاً وسفالاً”. [1]
فالإنسانُ هو نواةُ الحياة الأولى التي بدأ بها الله خلقه، فمعرفةُ الإنسان نفسه ستُفضي به إلى معرفة موجودات الكون كلّها وصولاً إلى معرفة خالق هذا الكون عزَّ وجلّ، والذي يُميّز الإنسان عن البهائم هو العقل الذي هو أداةُ التفكير التي منحها الله عزّ وجلّ ليصل الإنسان من خلاله إلى المعرفة والتمييز بين الحقّ والباطل. يقول التوحيدي في تعريفه للنفس: “هي روحُ الله المُنبجِسةُ بتوسطِ العقل”،[2]
أي إن الإنسان هو تلك النفخةُ الإلهيةُ التي نفخها الله عزَّ وجلّ في جسد آدم الطينيّ، وهذا ما يزيد من كرامة الإنسان على غيره من الموجودات، قال تعالى: “ثمَّ سوّاهُ ونفخَ فيه من روحهِ وجعلَ لكمُ السمعَ والأبصارَ والأفئدةَ قليلاً ما تشكرون”{السجدة 9}.
ما هو تعريف ابن حيان التوحيدي للإنسان؟
عرّف ابن حيان التوحيدي الإنسان بأنه: “حيٌّ ناطقٌ يحدّهُ الموتُ والفناء، وأنه مركّبٌ من الأخلاط الأربعة التي هي عناصره وأصوله، بنسبٍ مختلفة (الماءُ، والهواءُ، والترابُ، والنار)، وهو مكوّنٌ من ثلاث قوىً هي: [1]
- النفسُ الناطقةُ التي مسكنها (العقل).
- النفسُ الشهويةُ التي مسكنها (الكبد).
- النفسُ الغضبيةُ التي مسكنها (القلب).
من هو الإنسان الفاضل برأي ابن حيان التوحيدي؟
الإنسانُ الفاضلُ عند التوحيدي هو الذي يستطيع المُعادلة بين قوى النفس الثلاث (الناطقة، الغضبية، الشهوية)، فتأخذ كل قوةٍ مأخذها ولا تطغى على القوة الأخرى، فالنفسُ الناطقة مقدمةٌ على الشهوية والغضبية ويكون بها التمييز بين الأشياء ومعرفة حقّها من باطلها، وصحيحها من سقيمها، وحُسنها من قُبحها، وممكنها من مستحيلها، أما النفسُ الغضبيةُ فيها تكون الأنَفةُ من العار، والأناةُ من الضّيم، وطلب الاقتصاصِ من الظلم، والانتقامُ عند الغضب، وأمَّا النفسُ الشهويةُ فيها يكون حبُّ المطاعمِ والمشاربِ واللذات. [1]
ما هي مراتب الإنسان في العلم عند ابن حيان التوحيدي؟
تظهر مراتبُ الإنسان في العلم عند التوحيدي في ثلاثة أنفس: “فأحدهم مُلِهمٌ فيتعلمُ ويعمل ويصير مبدأً للمُقتبسين منه، والمُقتدين به والآخذين عنه، الحاذين على مثاله، المارّين على غراره، القافين على آثاره، وواحدٌ يتعلمُ ولا يُلهِم، فهو يُماثلُ الأولَ في الدرجة الثانية، أعني التعلم، وواحدٌ يتعلم ويُلهِم، فتجمع له هاتان الخُلّتان فيصير بقليل ما يتعلم مُكثِراً للعمل والعلم بقوة ما يُلهم، ويعود بكثرة ما يُلهم مصفّياً لكل ما يتعلم ويعمل”. [3]
ما هي نظرية المعرفة عند ابن حيان التوحيدي؟
إن نظرية المعرفة عند التوحيدي تنطلق من معرفة الإنسان نفسه وصولاً إلى معرفة الكون ثمّ معرفة خالقه عزَّ وجلّ. يقول التوحيدي موضحاً ذلك: “فمن أخلاق النفس الناطقة إذا صفت البحث عن الإنسان ثمَّ عن العالم، لأنه إذا عرف الإنسان فقد عرف العالم الصغير، وإذا عرف العالم فقد عرف الإنسان الكبير، وإذا عرف العالمَيْن عرفَ الإله الذي بجوده وجد ما وجد، وبقدرته ثبت ما ثبت وبحكمته ترتب ما ترتب. [2]
المراجع البحثية
1- التوحيدي أبي حيان. (1950). الإشارات الإلهية. In بدوي عبد الرحمن (Ed.), الإشارات الإلهية (pp.458–460). essay, مطبعة جامعة فؤاد الأول.
2- التوحيدي أبو حيان، & السندوبي حسن. (1992). المقابسة الواحدة والتسعونVersion (المكتبة الشاملة). In المقابسات (p. 318). دار سعاد الصباح. Retrieved March 24, 2023
3- التوحيدي أبو حيان، & الزين أحمد. (2017). الليلة التاسعة. In أمين أحمد (Ed.), الإمتاع والمؤانسة (pp. 151–152). essay, مؤسسة هنداوي.
Comments are closed.