Skip links
رسم توضيحي لرقصة الدراويش من خلال رجل يلبس ثوبا أبيض

الرؤية الجمالية عند ابن حيان التوحيدي

الرئيسية » المقالات » اللغة العربية » الرؤية الجمالية عند ابن حيان التوحيدي

يُعرَّف الجمال بأنه ضدُّ القبح، وهو الحَسن والزينة، أي حَسن الأفعال كامل الأوصاف. اصطلاحاً: حُسنُ الشيء ونضرتُه وكمالُه على وجهٍ يليقُ به، ومعنى ذلك أن كلَّ شيء يكمنُ جماله بما يناسبه، فإذا كانت كل صفات كماله حاضرةً، فهو في غاية الجمال، وإذا حضر بعضٌ من هذه الصفات، فله من الحسن والجمال بقدر ما حضر.

مثال ذلك: الفرس الجميل هو الذي تجتمع فيه كل صفات الجمال من الهيئة، والشكل، واللون، والكرّ، والفرّ، ولا تليقُ هذه الصفات بالإنسان لأن لكل كائن في هذا الوجود خصوصيته وصفاته الجمالية التي تختلف عن الآخر. [1]

ما هو مفهوم الجمال في عصر ما قبل الإسلام، والعصر الإسلامي؟

كان الجمال قبل الإسلام مقتصراً على الأشياء المادية الحسيّة المحيطة به، مثل: المرأة الجميلة، الفرس الأصيلة، الناقة، الأطلال، فكانت الذائقة الجمالية مقتصرةً على ردود أفعال الإنسان تجاه هذه الحسيّات، فعندما يحبّ الرجل المرأة يتغزّل بها، كما أنه يفتخر بأصالة فرسه، ويصف ناقته، ويبكي على أطلال دياره حزناً على حياته وذكرياته الماضية.

أما في الفكر الإسلامي فينطلق مفهوم الجمال من الحديث الشريف: “إن اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمال”، لذلك أصبح مفهوم الجمال أكثر عمقاً في العصر الإسلامي وقد تعدّى الحدود الحسيّة التي تُدرَك بالحواس، وتؤثر فيها عاطفياً مُنتقِلاً إلى المعنوي الروحي الذي لا تدركهُ الحواس ولا العقل، ولكنه يسمو بالنفس والخُلُق. [2]

ما هو مفهوم الجمال عند بعض الفلاسفة القدماء؟

شغل مفهوم الجمال الفلاسفة منذ القديم وحتى العصور الحديثة، وسنورد هنا بعض آراء الفلاسفة حول مفهوم الجمال:

الجمال عند أفلاطون هو محاكاة (أي تقليد) للجمال الإلهي المقدَّس، ولعالم المُثُل الأول.

الجمال عند سقراط هو بقدر ما يُحقّقُ من النَّفع، أو الفائدة، أو الغاية الأخلاقية العليا.

الجمال عند جورجايوس ارتبط بالنّشوة واللذّة الجنسية. [3]

ما هو تعريف الجمال عند ابن حيان التوحيدي؟

يُميّز التوحيدي بين نوعين من الجمال: الجمال الإلهي، والجمال المادي. يُعرّف التوحيدي الجمال المادي نقلاً عن تعريف مسكويه أنه صفاتٌ قائمةٌ في الأشياء، وتناسبٌ في الأجزاء مقبولٌ عند النفس، والكمال فيها يكون بالشكل، والهيئة، واللون، والأعضاء، ومجموعها الجمال، والجمال المادي نسبيّ تحكمه قوانين وأشياء كثيرة، ويمكن إدراكه بالعقل والحواس، وهو جمالٌ زائل.

أما الجمال الإلهي: هو الجمال الكلّي أو الجمال المُطلَق، وهو جمالٌ غير خاضعٍ للحركة والتغيير، وهو الجمال الذي تنعكس فيه جمالات الأشياء والكائنات، ولا وجود له على أرض الواقع، ولا يمكن إدراكه أو الوصول إليه بسبب محدودية العقل والحواس، وهو جمالٌ خالدٌ لا فناء له. [4]

ما هي الرؤية الجمالية عند ابن حيان التوحيدي؟

تنطلق الرؤيا الجمالية عند ابن حيان التوحيدي من رؤيته الوجودية التي تتجلى في معرفة حقيقة وجود الإنسان الذي يعدُّ جزءاً من الكلّ (الذي هو جوهرٌ محيطٌ بالأجزاء لا شخص له) [4] وصولاً إلى معرفة مفردات الكون حتى معرفة خالق الكون (الذات الإلهية)، أي أن نظرته الجمالية تنطلق من مُنطلَق دينيّ صوفيّ من خلال نظرته إلى حقيقة الإله والكون والعلاقة الجدلية بينهما.

الله تعالى هو الكلُّ الذي يتجلَّى فيه الجمال المُطلَق، وهو الجمال الخالد الذي لا فناءَ له، وبالتالي إن الإنسان الذي صنعه الله بيده ونفخ فيه من روحه لابدَّ أن يكون جميلاً، قال تعالى: ” فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي فقَعوا له ساجدين” {الحجر 29}،

والسجود هنا سجود تحية لا سجود عبادة، ومن هنا جاء تكريم الإنسان على سائر مخلوقات الكون وموجوداته التي تستمدُّ جمالها من الجمال المُطلَق أيضاً، بفارقٍ واحد أن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي خُلِق من روح الله (الجمال المُطلَق) أي النفخة الإلهية، وسائر المخلوقات بكلمة (كنْ فيكون)، وجمال الإنسان والمخلوقات في هذه الحالة هو جمالٌ نسبيٌّ مستمَدُّ من الجمال المُطلَق. 

ما هي حقيقة الجمال الإنساني في رأي ابن حيان التوحيدي؟

الأشياء في نظر التوحيدي موجودةٌ في العالم على ضربَيْن: “ضربٌ له الوجود الحقّ، وضرب له الوجود، ولكن ليس الحقّ، فالأمور الموجودة بالحق قد أعطت الباقية نسبةً من جهة الوجود، وارتجعَت منها حقيقة ذلك”. كلُّ الموجودات التي نراها في العالم لها نسبةٌ معينةٌ من الوجود، فكلُّ المخلوقات ماعدا الإنسان موجودةٌ بالعَرَض أي (البَدن)، فهي ليست موجودةً على الحقيقة، فالوجود الحقيقي للإنسان لأنه موجود بالعَرَض (البَدن) والجوهر (هو القائم بنفسه الحامل للأعراض لا يتغيَّر ذاته، موصوفٌ لا واصف).

لذلك ينطلق التوحيدي في البحث عن حقيقة الجمال الإنساني من حقيقة أن الإنسان يختلف عن سائر المخلوقات بأن له عرضاً وجوهراً، والجوهر هو تلك النفخة الإلهية التي نفخها الله في الجسد الطيني ثم قال لها: (كنْ) فكان وجود الإنسان، فالجوهر وحده ليس بإنسان، وكذلك العَرَض وحده ليس بإنسان، والجوهر مستمدٌّ من روح الله (الجمال المُطلَق) الذي لا يفنى على خلاف العَرَض فإنه يفنى ويزول.

أما باقي الكائنات الموجودة بالعَرَض فقط خُلقت بكلمة (كنْ) فقط، وجمالها أيضاً مُستمَدٌّ من الجمال المُطلَق لكن بفارق أنها لا تملك جوهراً، وهذا ما يميُّز الجمال الإنساني عن جمال باقي الموجودات، فالإنسان له جمالان: جمال الجوهر المُتمثِّل بالجمال الأخلاقي، فهو الحامل للصفات الأخلاقية، وجمال الجسد الذي يتصف بكونه جمالاً حسّياً، وكلٌّ منهما له صفاته الجمالية الخاصة، والتي تُشكّل في النهاية الجمال الإنساني.[5]

لماذا يعشق الإنسان الجمال برأي التوحيدي؟

يقول التوحيدي: “إن من شأن النفس إذا رأت صورةً حسنةً متناسبةَ الأعضاء في الهيئات، والمقادير، والألوان، وسائر الأحوال مقبولةً عندها موافقةً لما أعطتها الطبيعة، اشتاقت إلى الاتحاد بها، فنزعتها من المادة، واستبثَّتها في ذاتها، وصارت إياها كما تفعل في المعقولات”. إن النفس الإنسانية تسعى دائماً للوصول إلى الكمال والاتحاد به لأن قوانين الطبيعة الإلهية تدفع الإنسان ليعشق الجمال ويتعلّق به، وهذا ما يُسمَّى بعشق الجمال.

هي تبحث عن كمالها في جمال الطبيعة والموجودات لأن كل ذلك من خلق الله وصنعته، ولكن التوحيدي يُنبّه إلى مخاطر هذا العشق في حال عدم قدرة العقل على التحكُّم فيه والسيطرة على شهواته ورغباته، لذلك يرى التوحيدي أن الإنسان ليس عليه أن يحرم الجسد من لذّاته، بل عليه أن يجعل تلك اللذات وسيلةً للبقاء فقط، وليست غايةً في حدّ ذاتها.

كما يرى التوحيدي أن النفس تبحث عن كمالها من خلال إصلاح الخُلُق وتهذيبه، وذلك بحركةٍ متساميةٍ تدفع النفس للوصول إلى جمال جوهرها الروحي، ولا يكون ذلك إلا من خلال التحرر من الشهوات الذميمة، ومعرفة الإنسان لكينونة جوهره الذي استمدّ جماله من الجمال الإلهي المطلق. [4]

المراجع البحثية

1- الجمال. (n.d.). In القيم الإسلامية (p. 79). essay. Retrieved April 30, 2023

2- إبراهيم أشرف. (2015). الجمال. In الفن بناء دور الفن في الارتقاء بالمجتمعات الحديثة (p. 47). essay, ابن رشد. Retrieved April 30, 2023

3- مطر أميرة حلمي. (2015). الفلسفة السفسطائية والفن الواقعي في القرن الخامس ق.م. In فلسفة الجمال (pp. 21–23). essay, مكتبة نور. Retrieved April 30, 2023

4- التوحيدي، ا. ح.، & مسكويه، ا. (2019). المسألة الثانية والخمسون. In الهوامل والشوامل (pp. 137–138). مؤسسة هنداوي. 

This website uses cookies to improve your web experience.