التشبيه – التمثيلي، الضمني والمقلوب
قائمة المحتويات
التشبيه التمثيلي
يسمّى أيضاً تشبيه التمثيل، وهو التشبيه الذي يكون فيه وجه الشبه مُنتزَعٌ من أمرين أو عدة أمور، أي تشبيه صورةٍ بصورة، وشرطه عند السكاكي أن يكون غير حقيقي، حيث قال: “التشبيه متى كان وجهه وصفاً غير حقيقي، وكان مُنتزَعاً من عدّة أمور خُصَّ باسم التمثيل”، وفي ذلك يتعب الذهن فهمه، لأن استخراج الصورة المُنتزعة من أمورٍ متعددة لتكون وجه شبه ليس أمراً سهلاً، ومنه قول الشاعر:
ولاحتِ الشمسُ تحكي عند مطلعها
مرآة تِبْرٍ بدتْ في كفِّ مُرتعشِ
فقد شبه الشاعر الشمس عند شروقها بمرآة ذهبٍ تضطرب في كفٍّ مرتجف، ووجه الشبه هنا هيئة منتزعة من الاستدارة، والحمرة، واللمعان، والاضطراب. [1] [3]
أنواع تشبيه التمثيل
يقسم إلى نوعين من حيث ظهور الأداة وحذفها، وهما: [1]
1- ما ذكرت فيه الأداة
كقوله تعالى: ﴿مثلُ الذينَ حُمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثلِ الحمارِ يحملُ أسفارا﴾ {الجمعة 5}، فقد شبّه اليهود بالحمار الذي يحمل الكتب المفيدة، ويلقى المشقة والعناء في حملها دون الاستفادة منها، وأداة التشبيه مذكورة، وهي (الكاف)، ووجه الشبه هو عدم الانتفاع بشيءٍ مفيد مع المعاناة في استصحابه.
2- ما لم تذكر فيه الأداة
كقول: “اصبرْ على مضَضِ الحسودِ فالنارُ تأكلُ بعضها إنْ لم تجد ما تأكل”، فقد جعل الحسود الذي يُتجاهل ويُترك في غيظه بالنار التي تحرق نفسها، ووجه الشبه صورة المؤذي الذي يُترك، فلا يلحق الأذى بغيره، بل يؤذي نفسه، والأداة هنا محذوفة.
أوضاع تشبيه التمثيل في الكلام
لاحظ البلاغيون أن تشبيه التمثيل يحتلّ أحد الموضعين الآتيين في الكلام: [1] [3]
1- أن يأتي في بداية الكلام
حيث يكون مقياساً موضّحاً وبرهاناً ساطعاً، وأكثر ما يأتي في آيات الذكر الحكيم، كقوله تعالى: ﴿مثلُ الذين اتخذوا من دون الله أولياءَ كمثلِ العنكبوتِ اتخذت بيتاً﴾ {العنكبوت 41}، فإن تشبيه التمثيل جاء في أول الآية، فكان له قدرة عالية من الإبانة والوضوح في عرض الفكرة.
2- أن يأتي بعد تمام المعنى
والقصد منه تقرير المعنى، وتثبيته في النفس، فهو بمثابة البرهان على صحة المعنى، كقول الشاعر:
وما المالُ والأهلون إلا ودائعُ
ولا بدَّ يوماً أن تُردَّ الودائعُ
فالفكرة هي عدم دوام وجود المال والأهل، وقد أثبتها وبرهن عليها الشاعر من خلال تشبيه التمثيل بعدها، فكأنها أماناتٌ لا بدّ أن تُستوفى في يومٍ من الأيام.
تأثير تشبيه التمثيل على النفس في إدراك المعاني
يعتبر البلاغيون تشبيه التمثيل من أبلغ أنواع التشبيه لما فيه من التفصيل الذي يحتاج إلى إمعان النظر، والتدقيق في الصور بما فيها من تشخيصٍ وتجسيدٍ للأمور المعنوية، فالأمور المحسوسة تكون أقرب إلى الفهم والإدراك، فالعقل إذا عُرضت عليه الصور المعنوية في قوالب حسيّة فتحت عليه مقاليد الفهم والاستيعاب لتلك المعنويات، ويُلخّص عمل التشبيه التمثيلي في إدراك المعاني في عدة أمورٍ هي: [1] [3]
1- مجيء تشبيه التمثيل بعد المعنى الغريب يفيد في إقامة الحجة على وجود هذا المعنى، ويزيد من تثبيته وتقريره، وينفي عنه الشك، ومنه قول المتنبي:
فإن نفقَ الأنامُ وأنت منهم
فإن المسكَ بعضُ دمِ الغزالِ
فإن الممدوح فاق الناس في صفاته لدرجةٍ أصبح مختلفاً عنهم، وهذا أمرٌ غريب يصعب على العقل تصديقه، فأثبت الشاعر إمكانية هذا الأمر بصورة أن المسك هو من دم الغزال، وهذا أمرٌ موجود وحقيقي لأن المسك خرج عن صفات الدم حتى أصبح مختلفاً عنه. مجيء تشبيه التمثيل بعد المعنى العادي الذي لا يحتاج حجةً أو إثبات يفيد بيان المقدار فيه، ووضع قياس من غيره يكشف عن حدّه ومبلغه من القوة، والضعف، والزيادة، والنقصان، كقول الشاعر:
فأصبحتُ من ليلى الغداةَ كقابضٍ
على الماء خانتهُ فروج الأصابعِ
فإن الشاعر عبر عن معنى بسيط، وهو خيبة أمله في القرب من ليلى، وقد جاء التشبيه يبين مقدار هذه الخيبة، فهي كمن يحاول إمساك الماء بكفيه، ولا يستطيع الحصول عليه.
2- لتشبيه التمثيل قدرةٌ فائقة في إيصال المعاني، فهو ضربٌ من الانتقال من الصفة والخبر إلى العيان والمشاهدة التي تؤثر على نفس الإنسان على الرغم من علمه بصدق الخبر المنقول.
التشبيه الضمني
يعتبر من الصور الخاصة للتشبيه، حيث لا يأتي فيها المتكلم بالمشبه والمشبه به على النهج المعروف، أي مشاركة أمر لأمرٍ في معنى بشكلِ واضح، بل يفهم فيها التشبيه ضمنياً من خلال اللمح والاستنتاج، ويكون المشبه به برهاناً على إمكان ما أُسند إلى المشبه. يُستخدم هذا النوع من التشبيه عندما يعرض المتكلم فكرةً، ويأنس أن مخاطبه قد يخالفه فيها، فيأتي بأمرٍ يعرفه المخاطب، ويسلم به، ليفيد أن الحكم الذي أُسند إلى المشبه ممكن، كقول الشاعر:
لا تنكري عطل الكريم من الغنى
فالسيلُ حربٌ للمكان العالي
المعنى أن الكريم لا يخلو من الغنى، فالجبال العالية لا يستقرّ فيها السيل، فنلاحظ أن التشبيه لم يأتِ بشكلٍ صريح، بل جاء بشكل تلميح، وقد جاء بصورة إثباتٍ للحكم بمعنى مسلّم به، ومنه قول المتنبي:
من يهنْ يسهلِ الهوانُ عليه
ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ
المعنى أن من يكون معتاداً على الهوان، فإنه يستسيغه، وليس ذلك بغريب، فالميت لا يشعر بالألم، فكأنه يشبه حال الذي يعتادُ الهوان بحال الميت الذي إذا جُرح لم يشعر بالألم، ولكنه لمّح إلى ذلك من خلال التشبيه الضمني تاركاً للعقل الفرصة لاكتشافه. [1] [2]
التشبيه المقلوب
يُسمّى أيضاً المُنعكس، لأن التشبيه يُعكس فيه، فيجعل المشبه مشبّهاً به، والمشبّه به مشبهاً، أي تشبيه الزائد بالناقص، وإلحاق الأصل بالفرع، والغاية منه المبالغة، ومنه قول محمد بن وهيب الحِميري يمدح المأمون: [1] [2] [3]
وبدا الصباح كأن غرّته
وجه الخليفة حين يُمتدحُ
فقد شبّه غرّة الصباح بوجه الخليفة إيهاماً منه بأن وجه الخليفة أتمّ منه، والشاعر بالغ في وصف وجه الخليفة بالضياء والإشراق، فادّعى أن وجه الخليفة أكثر نوراً وضياءً من الصباح، وذلك مبالغةً في وصف وجهه بالبشر والتهلُّل عند سماع المديح.
ومنه قول البحتري:
في طلعةِ البدر شيءٌ من محاسنها
وللقضيب نصيبٌ من تثنّيها
من المتعارف عليه أن حُسن الوجه يشبّه بالبدر، والقدّ المستقيم الميّاس يشبّه بالقضيب، ولكن الشاعر عكس هذه الطريقة للمبالغة، وزاد عليها أن حظ طلعة البدر مما عند المحبوبة من المحاسن قليل، وكذلك إن نصيب القضيب من تثنّيها محدود.
المراجع البحثية
1- عيسى علي العاكوب. (2005). التشبيه . المفصل في علوم البلاغة(pp. 375–400). essay, مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية. Retrieved August 7, 2024
2- أحمد الهاشمي. (1999). أنواع التشبيه. جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع (pp. 142–143). مكتبة الآداب للنشر والتوزيع. Retrieved August 7, 2024
3- عمر مصطفاي. (n.d.). بلاغة التشبيه التمثيلي. علوم البلاغة في القرن العشرين. essay, E-Kutub Ltd. Retrieved August 7, 2024