التشبيه – أدواته، أقسامه بحسب الأداة وجمالياته
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
أدوات التشبيه
هي ألفاظٌ تدلُّ على المماثلة والمشاركة، وهي إما أن تكون حرفان أو أفعال، أو أسماء، وتفصيل القول فيها على النحو الآتي:
1- الحرفان
– الكاف، وهي أصل الدلالة على المماثلة والمشاركة، ويأتي بعدها المشبه به إما لفظاً كقول: هندٌ كالقمرِ في حسنها، فقد جاءت الأداة (الكاف) وبعدها المشبه به (القمر)، أو تأتي تقديراً، كقوله تعالى: ﴿أو كصيّبٍ من السّماء فيهِ ظلماتٌ ورعدٌ وبرقٌ يجعلونَ أصابعهم في آذانهم..﴾ {البقرة 19} بعد قوله تعالى: ﴿مثلهم كمثلِ الذي استوقد ناراً… ﴾ {البقرة 17}، فالمشبه به كما قدّره البلاغيون محذوف تقديره (كمثل ذوي صيّب)، وذلك لأن الضمائر الثلاثة في (يجعلون أصابعهم في آذانهم) تعود على المنافقين، وهم غير مذكورين في الآية.
– كأنّ، والأصل فيها أن يليها المشبه أي عكس الكاف، وتفيد التشبيه، والشك، فإذا كان خبرها جامداً، أفادت التشبيه، كقول الشاعر:
كأنّ الثريّا راحةٌ تَشبُرُ الدُّجى
لتنظرَ طالَ الليلُ أم تعرَّضا
فقد جاء خبر كأنّ (راحة) اسماً جامداً، فأفادت تشبيه الثريا (هي مجموعةٌ من الكواكب) براحة اليد التي تقيس طول الليل بالشبر. أما إذا كان خبرها اسماً مشتقاً أو شبيهاً بالمشتق، فهي تفيد الشك، كقول الشاعر:
كأنّكَ من كلِّ النفوسِ مركّبُ
فأنتَ إلى كلّ النفوسِ حبيبُ
فقد جاء خبر كأن (مركّب)، وهو مشتق، فأفادت الشك. أما الشبيه بالمشتق كقول: “كأن زيداً أخوكَ”، والتقدير شبيه أخوك، فهنا هي للشك.
2- الأفعال
وهي تفيد معنى المُماثلة والمُشابهة سواءً أكانت ماضيةً أو مضارعة، مثل: ماثلَ ويماثلُ، شابهَ ويُشابهُ، حاكى، يحاكي..، تقول: زيدٌ شابهَ الأسد أو زيدٌ يُشابهُ الأسدَ في قوته أو محمدٌ حاكى أو يُحاكي الأحنفَ حِلْماً، يأتي المشبه به في هذه الحالة مفعولاً به لهذه الأفعال. قد يأتي عوضاً عن أداة التشبيه فعلاً يدل عليه، فيكون إما فعلاً يدلّ على اليقين أو الظن، ولا يعتبر أداةً.
– الفعل اليقيني: يفيد قرب المشابهة بين الطرفين، لأن أفعال اليقين تدل على تيقّن الاتحاد بين الطرفين وتحقّقه، وهذا يفيد في المبالغة، كقوله تعالى: ﴿فلمّا رأوه عارضاً مستقبلَ أوديتهم قالوا هذا عارضٌ مُمْطرنا﴾ {الأحقاف 24}، فقد جاء الفعل اليقيني (رأوه) ليفيد تيقُّن الاتحاد بين المشبه (الهاء التي تعود على العذاب الذي سينزل بالكفار)، والذي شُبّه بالسحاب المقبل، ومنه أيضاً: وجدتُ زيداً أسداً.
– الفعل الظنّي: يفيد بُعد المشابهة بين الطرفين، لان أفعال الظن تدلّ على الرَجَحان والاحتمال، وهذا يُضعف التشبيه، كقوله تعالى: ﴿إذا رأيتهم حَسبْتهمْ لؤلؤاً منثورا﴾ {الإنسان 19}، فقد جاء فعل الظن (حَسبْتهم) ليفيد بُعد المشابهة بين الهاء التي تعود على الوِلدان الذين يطوفون على أهل الجنة لخدمتهم.
3- الأسماء
وهي (مثل، شبه)، وما يكون في معناها من الأسماء التي تدلّ على المماثلة والمشابهة، ويلحق بها الأوصاف المُشتقّة التي تفيد أيضاً هذا المعنى كـ (مُماثل، أو مُشابه، أو مُحاك..)، تقول: “فاطمة مثلُ خديجة في الذكاء، وهي شبه زينب في الفصاحة، ومشابهةٌ لجدّتها في الحكمة”.
أقسام التشبيه بحسب الأداة
يقسم التشبيه بحسب الأداة إلى قسمين: [1] [2] [3]
1- التشبيه المؤكّد
سمّي مؤكّداً لأنه يؤكّد ويثبت دعوى الاتحاد بين المشبه والمشبه به، ولا يتميز أحدهما عن الآخر في شيء، فهو ما حُذفت فيه الأداة لفظاً أو تقديراً، أي تُرك التصريح بها، كقول الشاعر:
أنت نجمٌ في رفعةٍ وضياء
تجتليكَ العيون شرقاً وغربا
فقد شبّه الشاعر ممدوحه بالنجم في الرفعة والضياء، فحذف الأداة لفظاً وتقديراً. يدخل في هذا النوع أيضاً تشبيهٌ تحذف فيه الأداة، ويُقدّم المشبه به على المشبه، حيث تكون الإضافة بيانيةً يتحد فيها مفهوماً المضاف والمضاف إليه، كقول الشاعر:
كأنما أدهمُ الإظلامِ حين نجا
من أشهبِ الصبحِ ألقى نعل حافره
فأصل (أدهم الإظلام) (إظلامٌ كالأدهم)، حيث يشبه الظلام بالفرس الأسود اللون، وأصل (أشهب الصبح) (صبحٌ كالأشهب)، والصبح بالفرس الأبيض، وقد حُذفت الأداة في التشبيهين، وقُدّم المشبه به على المشبه ثم أُضيف إليه.
2- التشبيه المُرسل
سمّي مُرسلاً لإرساله عن التأكيد الذي يكتسبه التشبيه عند حذف الأداة، هو ما ذُكرت فيه أداة التشبيه لفظاً أو تقديراً، كقول الشاعر:
إنما الدنيا كبيتٍ
نسجه من عنكبوت
فقد ذكرت الكاف لفظاً، حيث شُبّهت الدنيا ببيت العنكبوت في كل شيء، لأنه لم يذكر وجه الشبه. أما تقديراً كقول: “سَجْعه سَجْع الحمام ووشيه وشي الطاووس”، فقد قدّر وجود أداة التشبيه الكاف، والتقدير: (كسجْع الحمام، كوشي الطاووس).
جماليات التشبيه
يعتبر التشبيه إحدى وسائل البيان، وهو أداةٌ تعتمد على إلحاق المجهول لدى المخاطب بمعروفٍ لديه، وهو شكلٌ من أشكال الدلالة التي تعتمد القياس، والتمثيل، والتصوير، ويقدّم للمخاطب نوعاً من أنواع المعرفة المجسّدة والممثلة والمصورة، فحال الإخبار معه كحال ناقل الخبر الذي يحمل الدليل والبرهان معه، وقد أورد عبد القاهر الجرجاني أن التشبيه يحقق مطالب إدراكية كثيرة، ويلبي للنفس الكثير من البهجات، فهو يحقّق ما يلي:
1- يعرض المعرفة بطريقةٍ تتدرج فيها النفس من المجهول إلى المعلوم ومن الغامض إلى الواضح، فتأنس النفوس بخروجها من الخفيٍّ إلى الجلي، وتكون ثقتها في المعرفة أحكم، فالمعرفة التي تحصّل عن طريق الحواس هي المفضلة لدى النفس.
2- التشبيه يمثل للنفس مدركات العقول بمدركات الحواس، فيحدث ذلك نوعاً من الأنس، ويعود ذلك إلى طول معشرها للمعاني الأولى التي أتتها عن طريق الحواس.
3- التقريب بين المتباعدين فتصوير الشيء بآخر يختلف عنه في الجنس والشكل، فيحدث في النفس التعجّب والاندهاش.
4- تمثيل المعاني بالصورة المُشاهدة يزيد النفس أنساً واطمئناناً، وهو في جوهره اطمئنان الرائي للمُعاين المُشاهد.
5- للتشبيه قدرةٌ عالية على استقصاء المعنى ولمّ شتات الصورة، فهو يمكّن من تصوير المعاني العصيّة الفهم والمواقف صعبة الوصف.
6- إن سحر التشبيه يثير إعجاب المتلقي بمن يحسنون محاكاة الأشياء وتصوير دقيقها.
المراجع البحثية
1- عيسى علي العاكوب. (2005). التشبيه. المفصل في علوم البلاغة (pp. 375–400). essay, مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية. Retrieved August 9, 2024
2- حسن بن إسماعيل بن حسن بن عبد الرازق الجناجيُ. (2006). التشبيه. البلاغة الصافية في المعاني والبيان والبديع. المكتبة الأزهرية للتراث القاهرة مصر. Retrieved August 9, 2024
3- السيد أحمد الهاشمي. (n.d.). أدوات التشبيه. جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع (pp. 256–257). essay, Islamic Books. Retrieved August 9, 2024