التربية الحسّاسة – تأثيرها على الطفل والمجتمع، كيفية تطبيقها
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
ما هو مفهوم التربية الحساسة؟
مصطلحٌ يُشير إلى أسلوبٍ تربوي عاطفي يعتمد على فهم مشاعر الأطفال وتحليل انفعالاتهم، والتعرُّف على احتياجاتهم، وذلك بهدف خلق بيئةٍ داعمةٍ وآمنة يشعر الطفل فيها بالتقدير والوعي تجاه نفسه، الأمر الذي يُعزّز من قدرتهم على التعبير عن إمكانياتهم. [1]
خصائص التربية الحسّاسة
توجد بعض الخصائص التي تُميّز هذا المفهوم، ومنها: [1]
1-العاطفة
وتتضمن القدرة على الوعي بالأحاسيس الداخلية للطفل، وآلية استجابته بشكلٍ إيجابي.
2- الاحترام
يُعزّز من مكانة الطفل كفردٍ مستقلٍّ بنفسه، ويمنحه إمكانية الدفاع عن آرائه.
3- الدعم المعنوي
حيث يتمُّ تقديمه للأطفال في الأوقات الصعبة، مما يساعدهم على مواجهة التحديات، والعمل مستقبلاً على تجنُّبها.
الفرق بين مفهوم التربية الحسّاسة وأشكال التربية الأخرى
في أنماط التربية التقليدية تُعطى الأولوية للسلطة والتوجيه في حين أن التربية الحسّاسة تُركّز على التعاون، وخلق شراكةٍ بين الأسرة والطفل، إضافةً إلى أنها تُركّز على فهم رغبات الطفل، ومحاولة تلبيتها، وإشعاره أنه فرد مهمٌّ ومسؤول، وهذا يكون بديلاً عن فرض قيود وقواعد الالتزام عليه دون معرفةٍ سابقةٍ بأهمية تعزيز الاستقلالية، ورفع قيمة الاستحقاق الذاتي لديه.
أما بالنسبة لمنحى تطوير العلاقات الإيجابية، فإن التربية الحسّاسة تساعد على تمتين العلاقة بين الأهل والأطفال، مما يُشعر الطفل بالأمان النفسي بالشكل الذي يُعزّز من قدراته والثقة بنفسه وبالآخرين من حوله، والتفاعل السّوي معهم، وبالتالي ينتج عن ذلك تطوير مهاراتٍ اجتماعيةٍ وسلوكيةٍ للطفل. [1]
ما هو تأثير التربية الحسّاسة على التطوُّر الاجتماعي والنّفسي للطفل؟
تلعب هذه التربية تأثيرات متنوعة: [2]
1- تأثيرات على الثقة بالنفس والثبات الانفعالي
تساهم التربية الحسّاسة في تعزيز قدرات الأطفال ومواهبهم، وثقتهم بتحقيق أفضل النتائج، لأنها توفر بيئةً يشعرون فيها بالتقدير والقبول، فعندما يتلقى الطفل التحفيز، والرعاية، والدعم من عائلته أو من المحيط يزداد لديه شعور الإنجاز والمثابرة، الأمر الذي يرفع من مستويات الطاقة لديه، ويعطيه الدافع للاجتهاد أكثر.
2- تأثيرات على مهارات التفاعل والاتصال الاجتماعي
الأطفال الذين ينشؤون في بيئةٍ حسّاسةٍ تربوياً، ويتعلمون فيها طريقة الإفصاح عن مشاعرهم بفاعلية، فإنهم يتعلمون كيفية الاستماع للآخرين، والإصغاء لهم، وتوجيه النقد البنّاء، مما يُعزّز من إمكانياتهم على تكوين صداقاتٍ بنّاءةٍ وقوية ضمن إطار تشكيل علاقاتٍ عامةٍ جيدةٍ وصحيّة.
3- التأثيرات على الذكاء العاطفي
إن منهج هذه التربية يُعتبر عاملاً أساسياً ومهمّاً في تطوير مواهب المرونة والذكاء العاطفي، والذي بدوره يتضمن القدرة على فهم مشاعر الأشخاص، وطريقة تفكيرهم، وكيفية التعامل مع كل شخصية، مما يساعد على تجنُّب الأفعال العدوانية السلبية، وأيضاً يساعد في مجال إدارة العنف والانفعالات.
كيفية تطبيق التربية الحسّاسة في الحياة الروتينية
1- الإصغاء الفعّال
يجب على الأهل والمعلمين أن يكونوا مستعدين للاستماع لرغبات أطفالهم ومشاكلهم مهما كانت سخيفة، وتوجيههم بملاحظاتٍ محددة تجعلهم يدركون بأن ما يقولونه مهم، ولا يمكن تهميشه لأن ذلك سيحفّزهم على الرفع من قيمة الاستحقاق لديهم، ولكن ليس لدرجة التعالي، بل بتواضعٍ فيما يقومون به، ويتكلمون عنه.
2- التعبير عن المشاعر المكبوتة
الاهتمام بالطفل أحد أهمّ الواجبات الأساسية التي تقع على عائق الأسرة قبل المعلمين، إذ يجب عليهم أن يُفسحوا المجال، ويتركوا لهم حرية التعبير عما يسبّب لهم من إزعاجات، فالكتمان أمرٌ مضرٌّ جداً لصحة الطفل، والاستمرار به قد يؤثر عليه سلباً، ويحرّضه على القيام بأفعال سيئة لا تناسب معايير التربية ولا الأخلاق.
3- الاهتمام بتقديم الدعم النفسي
وهذه مهمة الأخصائي النفسي الموجود ضمن الإطار التربوي في المدرسة، والذي يعمل على توعية الأطفال في المجال النفسي، وتقديم جلسات استشارةٍ لهم في حال الحاجة لذلك أو إذا وجدت خلافات تؤثر سلباً على الطفل. [3]
وهنالك بعض الأمثلة على ما سبق ذكره، ومنها ما يلي:
1- عند مواجهة الأزمات: إذا كان الطفل يشعر بالحزن بسبب حدثٍ ما، فعلى الأهل أن يطرحوا أسئلةً مفتوحة المجال تشعره بأهميته لديهم كسؤاله: “كيف تشعر الآن؟ هل تحتاج لمساعدةٍ معينة؟ ما الذي يريحك الآن؟” يساعده ذلك أيضاً على التعبير عن مشاعره.
2- تعليمه مهارة حلّ المشكلات: في بعض الأوقات قد يكون إشغال الطفل بالبحث عن حلولٍ بنفسه أمراً مفيداً بدلاً من اتخاذ قراراتٍ نيابةً عنه، لأن ذلك يعلمه مهارة التفكير الناقد، ويُعزّز من استقلاليته، ويشعره أنه عنصرٌ مهمٌّ وفعّال.
ما هي التحدّيات التي تواجه الآباء والمعلمين في تطبيق هذه الاستراتيجيات؟
ذكرنا سابقاً أهمّ الأساليب التي يتمُّ من خلالها تطبيق مفهوم التربية الحسّاسة، والآن سنتطرق لبعض الصعوبات التي تعوق تحقيقها: [4]
1- مشكلات الوعي العاطفي
من الممكن أن يواجه الآباء صعوبةً في التعرُّف على مشاعر أطفالهم، الأمر الذي ينعكس سلباً عليهم، حيث يُضعف من قدراتهم الخاصة في الاستيعاب والإدراك.
2- ضغوطات الحياة اليومية
قد تؤثر مشاغل الحياة اليومية، كالمسؤوليات المنزلية، والعمل على قدرات الآباء، وتخفض من قدرتهم على توفير بيئةٍ داعمةٍ وحسّاسةٍ لأطفالهم.
3- نقص المعرفة
البعض من المربين والآباء يفتقدون المعرفة اللازمة والخبرة حول كيفية تطبيق مبادئ التربية الحسّاسة، الأمر الذي يؤدي إلى ممارساتٍ غير فعّالة.
4- الاختلافات الثقافية
تختلف العادات والقيم الثقافية حول موضوع التربية من حيث النمط التقليدي الشائع، واختلافاته مع النمط الحديث، مما قد ينتج عنه مشاكل وصراعات حول كيفية تربية الأطفال بشكلٍ يتماشى مع مفاهيم التربية الحسّاسة.
5- الحاجة للدعم
من المهمّ توضيح أهمية الدعم المجتمعي، والمصادر المُتاحة للمعلمين والآباء، كورشات العمل مثلاً أو المجموعات الاستشارية، وذلك بهدف تعزيز مهاراتهم في التربية الحسّاسة.
6- التأثيرات الاجتماعية
من الممكن أن تؤثر الضغوط الاجتماعية، كتوقُّعات المجتمع مثلاً أو ردود فعل الأقران على أنماط التربية، مما قد يجعل من الصعب الالتزام بمبادئ التربية الحسّاسة.
ما هي أهمية التربية الحسّاسة في المجتمع وما تأثيرها على الأجيال القادمة؟
توجد مجموعة من النقاط الرئيسية التي توضح أهمية هذا المحور، ومنها ما يلي: [5]
1- نتائج التربية الحسّاسة على المجتمع
تشير الدراسات إلى أن الأطفال الذين يتمُّ تربيتهم في بيئاتٍ حسّاسة يكونون أكثر تعاوناً واندماجاً في المجتمع، الأمر الذي يُسهم في بناء مجتمعاتٍ أكثر تقدُّماً ونضجاً.
2- التقليل من السلوكيات السّلبية
تساهم التربية الحسّاسة في تجنُّب القيام بالأفعال السّلبية، كالعنف أو التمييز، حيث يتعلم الأطفال قيماً مختلفة، كالاحترام، والمحبة، والتعاون.
3- التعزيز من التنمية المُستدامة
فالأطفال الذين ينشؤون في بيئاتٍ حسّاسة يكونون أكثر وعياً بالقضايا البيئية والاجتماعية التي تجري من حولهم، فتكون لديهم إمكانيات الردّ أقوى بسبب خضوعهم لتجارب سابقة.
4- دور التعليم وأهميته
توضح هذه الفكرة دور المدارس في تشجيع أسس التربية الحسّاسة، وذلك من خلال تطوير مناهج تدريسية وفق أفق مخططة وممنهجة تتسم بالفهم والدعم العاطفي.
5- النظرة المستقبلية
يجب التأكيد على أن التربية الحسّاسة ليست مجرد طريقة للتربية، بل هي استثمارٌ للأجيال القادمة بالمنحى الذي يؤدي إلى تحسين جودة الحياة العامة.
المراجع البحثية
1- National University. (2024, June 14). What is Social Emotional Learning (SEL): Why It Matters. National University. Retrieved October 21, 2024
2- Orben, A., Tomova, L., & Blakemore, S. (2020). The effects of social deprivation on adolescent development and mental health. The Lancet Child & Adolescent Health, 4(8), 634–640. Retrieved October 21, 2024
3- The Best Parenting Strategies for Highly Sensitive Children | HealthyPlace. (2022, January 11). Retrieved October 21, 2024
4- Quinlan, C. (2023, December 16). 5 Common challenges parents face and ways to overcome them. Marriage Advice – Expert Marriage Tips & Advice. Retrieved October 21, 2024
5- Szyliowicz, J. S., Riché, P., Meyer, A. E., Nakosteen, M. K., Ipfling, H., Chen, T. H., Marrou, H., Bowen, J., Scanlon, D. G., Vázquez, J. Z., Moumouni, A., Huq, M. S., Anweiler, O., Arnove, R. F., Chambliss, J., Browning, R., Shimahara, N., Lauwerys, J. A., Mukerji, S., . . . Naka, A. (2024, October 21). Education | Definition, Development, History, Types, & Facts. Encyclopedia Britannica. Retrieved October 21, 2024