البنكرياس – أهميته، والاضطرابات التي تصيبه
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
إن سوء امتصاص وهضم الدسم قد ينتج عنه الكثير من الأمراض، ويتطلب تدبير ذلك عنايةً خاصةً بالنمط الغذائي، بالإضافة لعلاج السبب الأساسي لهذا الاعتلال الهضمي، وبالحديث عن الأمراض التي تتطلب عنايةً دقيقة هناك داء السكري، والذي يتطلب علاجاً دائماً سواءً بالاعتماد على مضخة الأنسولين أو الخطط العلاجية الأخرى، والتي تحتاج التزاماً دقيقاً لتجنُّب اختلاطات داء السكري، وجميع الاضطرابات المذكورة سابقاً يربطها عضوٌ واحدٌ يتولى منع حدوثها وبكفاءةٍ مبهرة، ودون الحاجة إلى أية أدوية أو أجهزة، ويطلق عليه اسم البنكرياس (Pancreas).
ما هو البنكرياس؟
هو عضوٌ غديّ يشارك في عملية الهضم عبر الإنزيمات التي يفرزها إلى الأنبوب الهضمي (غدة ذات إفراز خارجي)، وكما تفرز الإنزيمات التي تنظم مستوى سكر الدم مباشرةً داخل الدورة الدموية (غدة ذات إفرازٍ داخلي)، إن الاجتماع الفريد لهذين النمطين جعل البنكرياس غدةً مختلطة الإفراز. [1]
الموقع والبنية التشريحية للبنكرياس
يتوضع البنكرياس خلف المعدة أعلى البطن محاطاً بالمعي الدقيق، والطحال، والكبد، ويأخذ شكل الإجاصة، ويقسم إلى أربعة أجزاء: رأس، وعنق، وجسم، وذيل، يتلقى البنكرياس التروية الدموية عبر الشريان المساريقي العلوي، ويروي عدة أوردة، مثل: الوريد المساريقي العلوي، والوريد الباب.
نسيجياً، يتألف من نوعين مختلفين من الأنسجة، نسيج يفرز الإنزيمات الهاضمة للدسم، ويشكل الغالبية العظمى من أنسجة البنكرياس، كما توجد جزرٌ منفصلة من الأنسجة التي تفرز أنزيماتها إلى الدم مباشرة، وتتولى مهمة تنظيم مستوى السكر في الدم (تدعى هذه الجزر النسيجية بجزر لانغرهانس). [1]
فيزيولوجيا البنكرياس وأهميته
كما ذكر سابقاً تصنّف البنكرياس على أنها مختلطة الإفراز، أي أن مفرزاتها تطرح خارجياً إلى الأنبوب الهضمي أو داخلياً إلى الدم مباشرة، وتتولى هذه المفرزات مهماتٍ مختلفة، وبآلياتٍ خاصة لكل منها: [1] [2]
1- الإنزيمات الهاضمة والإفراز الغدي الخارجي
يحتوي البنكرياس على غددٍ خارجية الإفراز تنتج إنزيمات مهمة لعملية الهضم، وتشمل هذه الإنزيمات التربسين (Trypsin)، والكيموتربسين (Chymotrypsin) لهضم البروتينات، الأميلاز (Amylase) لهضم الكربوهيدرات، والليباز (Lipase) لتفكيك الدهون.
عندما يصل الطعام إلى المعدة، يتمُّ إطلاق هذه العصارات البنكرياسية ضمن شبكةٍ من القنوات التي تبلغ ذروتها في القناة البنكرياسية الرئيسية، وتنضمُّ القناة البنكرياسية إلى القناة الصفراوية المشتركة، حيث تصبُّ محتويات هذه القناة في منطقة تدعى مجل فاتر (Ampulla of Vater) التي تقع في الجزء الأول من الأمعاء الدقيقة الاثني عشر (العفج).
تنشأ القناة الصفراوية المشتركة في الكبد والمرارة، وتنتج عصاراتٍ هاضمة مهمة أخرى تدعى الصفراء، والعصارة البنكرياسية والصفراء التي يتمُّ إطلاقها في الاثني عشر تساعد الجسم على هضم الدهون، والكربوهيدرات، والبروتينات.
2- تنظيم سكر الدم والإفراز الغدي الداخلي
يفرز البنكرياس عدداً مهماً من الإنزيمات إلى الدم مباشرة، أحد وظائف هذه الإنزيمات الرئيسية (وليس جميعها) هو تنظيم سكر الدم، وذلك عبر الأنسولين (Insulin) بشكلٍ رئيسي يتبعه عدة إنزيمات أخرى، مثل: الغلوكاغون (Glucagon)، والأميلين (Amylin).
يستجيب البنكرياس مباشرةً عند تناول الفرد كميةٍ بسيطة من السكريات، وذلك عبر إفراز الإنسولين إلى الدم، يستهدف الأنسولين الخلايا في العضلات والكبد والخلايا الشحمية في الجسم، وتستجيب هذه الخلايا للأنسولين عبر زيادة إدخال السكريات داخل العضلات أو تخزينها عبر الكبد على هيئة غليكوجين أو ضمن الخلايا الشحمية.
وفي المحصلة ينخفض مستوى السكر في الدم، ويحول البنكرياس دون ارتفاعه عن الحدود الطبيعية حتى عند تناول كمياتٍ كبيرة من السكريات من الملفت أن هذه الاستجابة بأكملها تبدأ خلال دقائق فقط. يعاكس الأنسولين من حيث التأثير الغلوكاغون (Glucagon)، والذي يرفع مستوى سكر الدم من خلال تحرير السكريات من مخازنها في الجسم عبر تفكيك الغليكوجين، وذلك عند احتياج الجسم لمزيدٍ من الطاقة والسكريات.
يذكر أن إفراز الأنسولين يعاكس إفراز الغلوكاغون، أي أن إفراز أحدهما يثبط إفراز الآخر، وذلك بمساعدة إنزيمٍ بنكرياسي آخر ألا وهو الأميلين، والذي يتمُّ إفرازه بشكلٍ متزامنٍ مع الأنسولين عند تناول الشخص كمية من السكريات، إلا أن الأميلين يعمل بشكلٍ مباشر على تثبيط إفراز الغلوكاغون.
تكمن أهمية الأنسولين على وجه الخصوص بأنه الأنزيم الوحيد القادر على خفض سكر الدم، كما أن إفرازه يتمُّ بشكلٍ خاص ضمن البنكرياس (أي إن خسارة الخلايا المفرزة للأنسولين تعني خسارة الآلية الوحيدة لخفض سكر الدم والإصابة بداء السكري)، بينما على العكس من ذلك، فإن الغلوكاغون يتولى مهمة رفع سكر الدم بالتعاون مع العديد من الهرمونات الأخرى.
على سبيل المثال: هرمون النمو وغيره من الهرمونات (لذلك، فلا يوجد داءٌ عضويّ مرتبطٌ مباشرة بانخفاض سكر الدم بسبب وجود عدة آلياتٍ لرفع سكر الدم عند الحاجة، ولا تعتمد هذه الآليات على البنكرياس بشكلٍ خاص، وأي انخفاض سكرٍ شديد يرتبط بالنمط الغذائي منخفض السكريات أو بأمراض أخرى ذات أعراض واختلاطات تخفض سكر الدم).
بعض الهرمونات الأخرى، مثل: السوماتوستاتين (Somatostatin) الغريلين (Ghrelin) تفرز من البنكرياس، ومن أعضاء أخرى، وتتولى مهماتٍ تتعلق بتنظيم الشهية، وإفراز العصارات الهاضمة (الغرلين بالأخص، الذي يعتبر فاتحاً للشهية).
الاضطرابات التي تصيب البنكرياس
أشيع اضطراب هو داء السكري، والذي يرتبط إما بتخرُّب الخلايا المفرزة للأنسولين أو عدم قدرة هذه الخلايا على تعقب ارتفاع سكر الدم، ويتمُّ الكشف عن هذا المرض باختبار سكر الدم الصيامي أو قياس سكر الدم بعد تناول قطعة من السكاكر ومراقبة سكر الدم بعدها.
علاج السكري يعتمد على تعويض وظيفة الأنسولين المفقودة سواءً أكانت عبر مضخة الأنسولين أو عبر الأدوية الخافضة للسكر. أحد الأمراض الأخرى التي يعدُّ البنكرياس عرضةً لها هو الالتهاب بأنواعه الحاد والمزمن، التهاب البنكرياس الحاد بشكلٍ خاص يعدُّ من الحالات الإسعافية الخطيرة، والتي يحظر على المريض فيها تناول أي شيء عن طريق الفم.
إلا أن تشخيص هذه الحالة قد يتأخر بسبب اختلاط أعراض الألم مع أمراض أخرى، مثل: احتشاء العضلة القلبية، والقرحة المعدية، والجزر المعدي المريئي (يتميز الألم في حالة التهاب البنكرياس الحاد بأنه ينتشر إلى الظهر على عكس الأمراض الأخرى)، يمكن تعقب التهاب البنكرياس عبر معايرة أنزيمات البنكرياس، وبشكلٍ خاص الأميلاز والليباز.
تظهر أهمية البنكرياس جليةً بعد التعرف على وظائفه ودور الإنزيمات التي يفرزها سواءً الإنزيمات الهاضمة أو الإنزيمات الضابطة لسكر الدم، وكيف يمكن لكل هذه الوظائف أن يتمَّ ضبطها بإتقان بالاعتماد على عضوٍ وحيدٍ فقط. [2] [3]
المراجع البحثية
1- The pancreas and its functions. (n.d.). Retrieved June 11، 2024
2- Sayed، S. a. E.، & Mukherjee، S. (2023، May 1). Physiology، pancreas. StatPearls – NCBI Bookshelf. Retrieved June 11، 2024
3- Pancreatitis – symptoms and causes. (n.d.). Retrieved June 11، 2024
Comments are closed.