البلوغ المبكر المركزي عند الأطفال – الآثار وطرق التشخيص
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
البلوغ (Puberty) هو فترة تطور الخصائص الجنسية الثانوية ونضوج الجهاز التناسلي، ويتمُّ تحديد توقيت البلوغ من خلال العوامل الوراثية والبيئية، والبلوغ المبكر (Precocious puberty) هو عندما يبدأ الطفل في إظهار علامات البلوغ قبل التوقيت الطبيعي للبدء أي قبل عمر 8 سنوات عند الإناث،و9 سنوات عند الذكور، وقد يكون مركزياً أو محيطياً، ولقد تمّ ملاحظة انخفاض سن بدء البلوغ في جميع أنحاء العالم، ففي شمال أوروبا مثلاً، تمّ تسجيل متوسط سن البلوغ في وقتٍ متأخر يصل إلى 17 عاماً في أوائل القرن التاسع عشر، وبحلول منتصف القرن العشرين انخفض متوسط سن البلوغ إلى 12- 12.5 عاماً.
ومن المعروف أن البلوغ هو فترةٌ من التطور الكبير ليس فقط جسدياً، بل اجتماعياً ونفسياً، وفي حين أن البلوغ هو وقت صعب بالنسبة لمعظم الأطفال، فإنه يشكل تحدياً خاصاً للأطفال الذين يعانون من البلوغ المبكر المركزي (Central precocious puberty)، والذي يحدث نتيجةً للتنشيط المبكر لمحور تحت المهاد (Hypothalamic)، الغدة النخامية (Pituitary)، الغدد التناسلية (Gonadal)، ويسمّى اختصاراً محور HPG، ويُقدر أن البلوغ المبكر المركزي يؤثر على 1 من كل 500 أنثى، و1 من كل 2000 ذكر، ولدى الفتيات يكون مجهول السبب عادةً، بينما عند الأولاد غالباً ما يحدث نتيجةً لأسباب عضوية يمكن تحديدها، مثل: أورام الغدة النخامية، والمتلازمات الوراثية. [1] [2]
ما هي الآثار النفسية والاجتماعية المرتبطة بالبلوغ المبكر المركزي عند الأطفال؟
1- المشاكل الاجتماعية
البلوغ المبكر المركزي يجعل الأطفال يبدون بمظهر أكثر نضجاً من أي شخصٍ آخر في مثل سنهم، مما يؤدي إلى معاملتهم بطريقةٍ غير عادية من قبل الآباء، والمعلمين، والأصدقاء، وهو ما قد يكون في حدّ ذاته مصدراً لصدمةٍ دائمةٍ لهم، وقد يواجهون صعوباتٍ في تكوين صداقاتٍ مع أقرانهم الذين يبدون أصغر سناً منهم بكثير، وفي محاولةٍ للتأقلم قد يختلطون بأشخاص أكبر سناً، والذين قد يعرفونهم على عاداتٍ غير صحية، مثل: التدخين، وتعاطي الكحول، كما أن هؤلاء الأطفال يكونون أكثر عرضةً للتنمُّر أثناء مرحلة الطفولة.
2- اضطرابات السلوك
يؤدي البلوغ المبكر إلى تصرفاتٍ غير لائقة لدى بعض الأطفال، فقد يصبحون أكثر عدوانية، ويتورطون في العديد من المشاكل، بالإضافة إلى الصراع بين الاستقلال الذاتي والاعتماد على الوالدين، والسلوكيات المعادية للمجتمع، ويزداد خطر إيذاء النفس لدى كل من الأولاد والبنات الذين يعانون من البلوغ المبكر، حيث أفادت الدراسات أن حوالي 32 بالمئة من الفتيات، و1 بالمئة من الأولاد في سن 15 عاماً يقومون بإيذاء أنفسهم، وقد يؤدي ضغط الأصدقاء السلبي واضطراب السلوك في بعض الأحيان إلى وقوع الأطفال في مشاكل في المدرسة، أو حتى التغيب والانسحاب من المدرسة.
3- الاكتئاب والقلق
إن المستويات العالية من الهرمونات المرافقة للبلوغ المبكر تؤدي إلى حدوث الكثير من التقلبات المزاجية عند الأطفال، فمثلاً ارتفاع هرمون الأستروجين (Estrogen) عند الفتيات يترافق مع ازدياد احتمال الإصابة بالاكتئاب، وأيضاً الضغوط الدراسية وفترات الامتحانات التي قد تحدث في نفس وقت البلوغ تؤدي إلى زيادة حدوث القلق، والانفعال، والتوتر.
وإن هؤلاء الأطفال الذين بدأ لديهم البلوغ باكراً لم يكن لديهم وقتٌ كافٍ لتعلم مهارات التأقلم التي يحتاجونها للتعامل مع الاكتئاب والقلق، مما قد يؤدي إلى الافتقار إلى الدافع، ونقص الطاقة، وفقدان الاهتمام بالواجبات المدرسية والهوايات والأصدقاء، وتستمر بعض هذه المشاكل أحياناً حتى بعد مرحلة البلوغ.
4- النظرة السلبية للجسم وانخفاض احترام الذات
إن نمو الثديين أو نمو شعر الجسم عند الأطفال قبل أصدقائهم يمكن أن يجعل الأطفال يشعرون بالخجل، وقد يكون من الصعب في المدرسة الابتدائية أو المتوسطة أن يبدوا مختلفين عن أقرانهم، ويؤدي الشعور بالاختلاف أحياناً إلى تدني احترام الذات، والإحساس بعدم الراحة، وانخفاض مستويات الثقة بالنفس، والميل إلى العزلة، والشعور بالوحدة.
5- السلوك الجنسي
تبدو الفتيات اللاتي تحدث لديهن مرحلة البلوغ مبكراً أكثر نضجاً من أقرانهن، ويمكنهن جذب المزيد من الاهتمام الجنسي مقارنةً بالفتيات الأخريات في سنهن، وتؤدي التغيرات الهرمونية إلى شعور الأولاد والبنات بالحاجة إلى ممارسة الجنس في سن مبكرة، وقد يؤدي القيام بالعلاقات الجنسية غير الآمنة في وقتٍ مبكرٍ جداً إلى الإصابة بالأمراض المنقولة بالجنس، وحدوث الحمل غير المرغوب فيه.
ويشير الخبراء إلى أنه في حين تعمل الفتيات على التأقلم مع أجسادهن المتغيرة وغير المألوفة، فإن بقية العالم غالباً ما ينظر إلى النضج الجسدي باعتباره ضوءاً أخضر لمعاملة الطفلة مثل المرأة البالغة، بالإضافة إلى ذلك يبدو أن خطر الاعتداء الجنسي أعلى لدى الفتيات أو النساء ذوات النضج الجنسي المبكر.
6- تعاطي المخدرات
الأطفال الذين يبدأ لديهم البلوغ مبكراً هم أكثر عرضةً من غيرهم من الأطفال في سنهم لتجربة المخدرات، والسجائر، والكحول، وتعاطي هذه المواد في سن مبكرة قد يؤدي إلى إصابة الأطفال بمشاكل الإدمان التي تستمر حتى مرحلة البلوغ، وأحد الأسباب التي تجعلهم يجربون هو الضغط من الأصدقاء الأكبر سناً.
وعند الأولاد تعمل الزيادة المبكرة في هرمون التستوستيرون (Testosterone) على تسريع نمو مناطق الدماغ التي تحفز السلوكيات الساعية إلى المكافأة، مثل: تعاطي المخدرات، وفي الوقت نفسه فإن أجزاء الدماغ التي تشارك في التحكم في الانفعالات واتخاذ القرار لم تنضج بشكلٍ كاملٍ بعد.
7- اضطرابات الأكل
من النادر أن يصاب الأطفال الصغار باضطرابات الأكل، مثل: فقدان الشهية أو الشره المرضي، ولكن ارتفاع مستويات الهرمونات في سن البلوغ يجعل هذه الحالات أكثر عرضةً للبدء، وفي حال كان البلوغ مبكراً تزداد احتمالية الإصابة باضطرابات الأكل.
وتشمل علامات التحذير المبكرة التي تشير إلى أن الطفل قد يعاني من هذه الاضطرابات ما يلي: رفض الأكل، أو التركيز بشكلٍ كبيرٍ على الطعام، أو السعرات الحرارية، أو تفادي الوجبات، أو تناول أجزاء أصغر، أو تقطيع الطعام إلى قطعٍ صغيرة، أو فقدان الوزن الشديد، أو زيادة الوزن، أو وجود دليلٍ على القيء بعد الوجبات. [2] [3] [4]
كيف يتمُّ تشخيص البلوغ المبكر المركزي عند الأطفال؟
1- التشخيص السريري
1- يحدث البلوغ المبكر المركزي على شكل ظهورٍ تدريجي للخصائص الجنسية الثانوية، وهي نمو الثدي، وشعر العانة، والحيض عند الفتيات، وتضخم حجم الخصية (حجم الخصية أكبر من 4 ميلي لتر أو طول الخصية أكبر من 25 ميلي متر)، وزيادة طول القضيب، ونمو شعر العانة عند الذكور، بالإضافة إلى زيادة سرعة النمو الطولي، ونضج العظام عند كلا الجنسين.
ويكون العمر العظمي غالباً متقدماً جداً (بأكثر من عامين مقارنةً بالعمر الزمني)، ومع ذلك قد تظل أحد هذه الأعراض هي العلامة الوحيدة لفتراتٍ طويلة، مما يجعل التشخيص صعباً خاصةً عند الفتيات، حيث قد يسبق نمو الثدي المعزول ظهور شعر العانة أو زيادة سرعة النمو، ونضج العظام بعدة أشهر، وعند بعض الأطفال الآخرين قد تسبق الزيادة في سرعة النمو الطولي ظهور الخصائص الجنسية الثانوية.
2- وأثناء أخذ التاريخ الطبي للطفل يجب السؤال عن العمر عند بداية ظهور علامات البلوغ ومعدل تطورها، إلى جانب أي دليلٍ يشير إلى احتمال وجود اضطرابٍ عصبي مركزي، مثل: الصداع، اضطرابات بصرية أو علامات عصبية، مثل: النوبات الاختلاجية، أو قصور الغدة النخامية، مثل: الوهن، وزيادة عدد مرات التبول والعطاش، أو وجود مرض مزمن معروف، أو تاريخ علاج إشعاعي دماغي، ويشمل التقييم أيضاً طول الوالدين والأشقاء وسن البلوغ، والتاريخ العائلي للبلوغ المبكر أو المتقدم.
3- وأثناء الفحص البدني يجب تقييم الطول، والوزن، ومؤشر كتلة الجسم، ومرحلة البلوغ، والآفات الجلدية التي توحي بالورم الليفي العصبي أو متلازمة ماكون أولبرايت، والعلامات العصبية (محيط الرأس الكبير مع ضخامة الرأس، الرأرأة، التغير البصري أو عيوب المجال البصري، تأخر التطور الروحي والحركي).
أعراض أو علامات قصور الغدة النخامية الأمامي أو الخلفي (انخفاض سرعة النمو، البوال، العطاش، التعب…) ،وتقييم الحالة النفسية العصبية للطفل، ومن المهمّ أيضاً التعرف سريرياً على المتغيرات الحميدة لتطور البلوغ المبكر، والتي تتضمن عادةً التطور المعزول وغير التدريجي للخصائص الجنسية الثانوية (الثديين أو شعر العانة)، وزيادة سرعة النمو الطبيعية.
4- وبعد هذا التقييم، يمكن اختيار المراقبة أو متابعة الاستكشافات التكميلية، وذلك تبعاً لحالة كل طفل، ويجب إعادة التقييم بعناية بعد 3 إلى 6 أشهر، وذلك لتقييم معدل تقدم البلوغ وأي تغييراتٍ في النمو.
2- التشخيص المخبري
يعتمد التشخيص المخبري للبلوغ المبكر على تقييم إفراز السيتروئيدات الجنسية وآلياته، وتركيز موجهات الغدد التناسلية، واختبار تحفيز (GnRH):
السيتروئيدات الجنسية (Sex Steroid)
عند الذكور يعدُّ هرمون التستوستيرون (Testosterone) علامةً جيدةً على نضوج الخصية، بشرط تقييمه بطريقةٍ ذات حساسيةٍ جيدة، ويتمُّ استخدام (RIA) (المقايسة المناعية الإشعاعية) بشكلٍ عام في الممارسة العملية. وعند الفتيات يعتبر قياس مستوى هرمون الأستراديول (Estradiol) غير مفيد، وذلك لأنه عند نصف الفتيات اللاتي يحدث لديهن بلوغ مبكر مركزي تكون مستويات الأستراديول مماثلةً للقيم لدى الفتيات في مرحلة ما قبل البلوغ، كما أن الزيادة في تركيز هرمون الأستراديول تكون متغيرةً بشكلٍ كبير، وذلك بسبب إفراز هذا الهرمون بشكلٍ متقطع، وتشير مستويات الأستراديول المرتفعة جداً بشكل عام إلى أمراض المبيض (بلوغ مبكر محيطي بسبب الخراجات أو الأورام).
موجهات الغدد التناسلية (Gonadotropin)
تعتبر مستويات موجهة الغدد التناسلية القاعدية ضروريةً لتشخيص البلوغ المبكر المركزي، وهي الهرمون اللوتيني (LH)، والهرمون المنبه للجريب (FSH)، ومع ذلك فإن تركيز (LH) في المصل القاعدي أكثر حساسيةً بكثير من تركيز (FSH) القاعدي، وهو مفتاح التشخيص.
وينبغي استخدام فحوصاتٍ فائقة الحساسية لتحديد تركيز (LH) في الدم، وتكون تركيزات الهرمون اللوتيني قبل البلوغ أقل من 0.1 وحدة دولية/لتر في الحالة الطبيعية، ويتميز البلوغ المبكر المركزي بارتفاع موجهة الغدد التناسلية القاعدية، ويكون تركيز (LH) القاعدي في المصل عادةً أكثر أو تساوي 0,3 وحدة دولية/ ليتر.
اختبار تحفيز GnRH
تعتبر الاستجابة لتحفيز الهرمون المطلق لموجهة الغدد التناسلية (GnRH) هي المعيار الذهبي لتشخيص البلوغ المبكر المركزي، حيث يتمُّ قياس مستويات (LH) و(FSH) في المصل قبل إعطاء (GnRH) في الوريد، وذلك بجرعة 60 ميكروغرام لكل متر مربع من مساحة سطح الجسم، والحدّ الأقصى 100ميكروغرام من (GnRH)، ثم بعد 30 دقيقة يتمُّ قياس (LH) و(FSH) مرةً أخرى.
ويتميز البلوغ المبكر المركزي بارتفاع مستويات الغدد التناسلية القاعدية، والتي تزداد بشكلٍ غير متناسبٍ بعد التحفيز، حيث يكون تركيزه (LH) في المصل بعد التحفيز أكثر أو يساوي 5 وحدة دولية/ ليتر، وقياس مستوى (FSH) أقل إفادةً من (LH)، ولكن نسبة (LH) إلى (FSH) المحفزة قد تسهل التمييز بين البلوغ المبكر التدريجي (حيث تكون نسبة (LH / FSH) أعلى من 0,66)، وبين المتغيرات غير التقدمية التي لا تتطلب علاجاً.
3- التصوير الشعاعي
التصوير بالأمواج فوق الصوتية
1- عند الإناث: يمكن استخدام التصوير بالأمواج فوق الصوتية للحوض لتقييم درجة تعرض الأعضاء التناسلية الداخلية للأستروجين لدى الفتيات، وذلك من خلال أخذ قياسات الطول، والحجم، والتغيرات المورفولوجية، ويعتبر طول الرحم الأكبر أو يساوي 35 ميلي متر هو أول علامة على التعرض لهرمون الأستروجين.
وتعدُّ السمات المورفولوجية مهمةً أيضاً، حيث تتميز حالة ما قبل البلوغ بالرحم الأنبوبي أو المخروطي الشكل، والذي يتضخم ويصبح كمثري الشكل خلال فترة البلوغ، ويترافق مع قعرٍ منتفخ، وإن قياس حجم الرحم يزيد من موثوقية الفحص (في مرحلة قبل البلوغ أقل أو يساوي 2 ميلي لتر )، كما أن تحديد سماكة بطانة الرحم أثناء الفحص بالموجات فوق الصوتية يساعد في تشخيص البلوغ المبكر، وأما تقييم حجم المبيض وعدد الجريبات، فليس معياراً لتقييم تطور البلوغ.
2- عند الذكور : يجب إجراء الموجات فوق الصوتية للخصية، وذلك في حال وجود اختلافٍ في الحجم بين الخصيتين، أو إذا كان هناك شكٌّ في البلوغ المبكر المحيطي، وذلك لتسهيل اكتشاف أورام خلايا لايديغ، والتي عادةً ما تكون غير واضحة.
التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)
وهو الفحص المفضل لدراسة الدماغ ومنطقة ما تحت المهاد والغدة النخامية، ويمكن من خلاله الكشف عن آفات ما تحت المهاد، ويكون انتشار هذه الآفات أعلى عند الذكور (30-80 بالمئة من الحالات) منه عند الفتيات (8-33 بالمئة)، ويكون أقل بكثير عندما يبدأ البلوغ بعد سن 6 سنوات عند الفتيات. [5] [6]
المراجع البحثية
1- Longmire, B, E. Maravolo, P, V. Graham, B. Greydanus, D, E. (2022, March 21). A narrative review: Treatment outcomes of central precocious puberty (CPP). Pediatric Medicine. Retrieved July 20, 2024
2- Endocrinology Advisor. (2018, November 20). Psychosocial Risks Associated With Central Precocious Puberty. Endocrinology Advisor. Retrieved July 20, 2024
3- Watson, S. (2024, January 30). Complications Associated with Central Precocious Puberty. WebMD. Retrieved July 20, 2024
4- Mentally Healthy Schools. (n.d.). Puberty. Mentally Healthy Schools. Retrieved July 20, 2024
5- Oncohema Key. (2017, September 7). Central Precocious Puberty: From Diagnosis to Treatment. Oncohema Key. Retrieved July 20, 2024
6- urology-Textbook.com. (n d.). GnRH Stimulation Test. Urology-Textbook.com. Retrieved July 20, 2024