Skip links
رسم ثلاثي الأبعاد لشكل الاندماج النووي

الاندماج النووي

الرئيسية » المقالات » الفيزياء » الاندماج النووي

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

ما هو الاندماج النووي؟

الاندماج النووي (Nuclear fusion) هو العملية التي يتمُّ من خلالها اتحاد نواتين خفيفتين (light atomic) لتكوين نواةٍ أثقل مع إطلاق كمياتٍ هائلة من الطاقة. تحدث تفاعلات الاندماج في حالةٍ من المادة تسمّى البلازما (Plasma)، وهي غازٌ ساخنٌ ومشحون يتكون من شحناتٍ موجبة وإلكتروناتٍ سالبة حرة الحركة، وللبلازما خصائص فريدة تختلف بها عن المواد الصلبة، أو السوائل، أو الغازات.

تستمدُّ الشمس، مثلها مثل جميع النجوم، طاقتها من هذا التفاعل، ففي الشمس والنجوم تصطدم النوى ببعضها عند درجات حرارةٍ عالية للغاية (حوالي عشرة ملايين درجة مئوية)، حيث تزود هذه الحرارة العالية النوى بالطاقة الكافية لتمكنها من التغلب على قوى التنافر الكهربائي المتبادل بينهم، وبمجرد أن تصبح النوى على مسافةٍ قريبةٍ جداً من بعضها البعض تبدأ بالاندماج.

لماذا يدرس العلماء طاقة الاندماج؟

منذ أن تمّ فهم نظرية الاندماج النووي في ثلاثينيات القرن الماضي، سعى العلماء إلى إعادة إنشائها وتسخيرها، وذلك لأنه إذا أمكن حدوث الاندماج النووي على الأرض على نطاقٍ صناعي، فمن الممكن أن يوفر ذلك طاقةً نظيفة وآمنة، وبأسعارٍ زهيدةٍ لتلبية الطلب العالمي.

يمكن للاندماج أن يولد طاقةً أكثر بأربعة أضعاف لكل كيلوغرام من الوقود من الانشطار (المستخدم في محطات الطاقة النووية)، وما يقرب من أربعة ملايين مرة من الطاقة أكثر من حرق النفط أو الفحم، فبضع غراماتٍ من اندماجٍ بين نوى الديتريوم والتريتيوم (Deuterium and tritium) من الناحية النظرية من الممكن إنتاج تيرا جول (Terajoule) من الطاقة، وهي تقريباً الطاقة التي يحتاج إليها شخصٌ واحدٌ في دولةٍ متقدمةٍ على مدار ستين عام.

كيف يمكن الحصول على وقود الاندماج النووي؟

وقود الاندماج النووي وفير، ويمكن الوصول إليه بسهولة، فيمكن استخلاص الديتريوم بتكلفةٍ زهيدةٍ من مياه البحر، ويمكن إنتاج التريتيوم من تفاعل النيوترونات الناتجة عن الاندماج مع الليثيوم المتوفر بشكلٍ طبيعي، وهذه المنابع الطبيعية لا حدود لوفرتها على مدى ملايين السنين.

هل مفاعلات الاندماج النووي آمنة؟

تُعتبر مفاعلات الاندماج المستقبلية آمنةً بشكلٍ كبير، ومن غير المتوقع أن تنتج نشاطاً عالياً أو نفاياتٍ نوويةٍ طويلة الأمد. علاوة على ذلك، نظراً لصعوبة بدء عملية الاندماج والحفاظ عليها، فلا يوجد خطر حدوث كارثةٍ نووية، وحتى في حالة وقوع حادث أو فشل النظام، فستنتهي البلازما بشكلٍ طبيعي، وتفقد طاقتها بسرعةٍ كبيرة، وتنطفئ قبل حدوث أي ضررٍ للمفاعل، والأهمّ من ذلك، أن الاندماج النووي لا ينبعث منه ثاني أوكسيد الكربون أو أيٍّ من الغازات الدفيئة الأخرى المؤثرة سلباً على الغلاف الجوي. [1]

كيف يؤدي الاندماج النووي إلى تكوين العناصر الكيميائية؟

يصف علماء الفلك النجوم بأنها تحتوي على الهيدروجين والهيليوم مع عناصر أثقل من الهيليوم وهي (المعادن)، وتلعب هذه المعادن دوراً في الاندماج النووي في النجوم، وتأتي معظم طاقة هذه النجوم من دورة الكربون، والنيتروجين، والأوكسجين (CNO) التي تتطلب درجات حرارةٍ عالية جداً.

توفر الاندماجات النووية في النجم الضغط الخارجي الذي يوازن كرة البلازما ضدَّ قوة الجاذبية الداخلية، وهذا يعني أنه عندما يتوقف الاندماج، يختفي الضغط الخارجي في النجم، وينتج عن ذلك انهيار النجم، وفقدان طبقاته الخارجية، بينما بالنسبة للنجوم الأضخم من الشمس، والتي ستنتهي حياتها كقزمٍ أبيض يولّد هذا الانهيار ضغطاً كافياً لتحفيز الاندماج النووي للهيليوم في قلب النجم، ودمجه لتكوين نوىً أثقل، مثل: الكربون، والنيون، والأوكسجين.

وعند نفاد الهيليوم، يحدث الانهيار مرةً أخرى، مما يؤدي إلى اندماج العناصر الأثقل، ومع استمرار ذلك، يطور النجم بنيةً تشبه البصلة، حيث تندمج النوى الأخف في طبقاته الخارجية، بينما تندمج النوى الأثقل باتجاه القلب. ينتهي هذا التطور، فيهيمن الحديد على قلب النجم، وذلك لأن الحديد عنصر مستقر للغاية، ولا يمكن دمج نوى الحديد داخل النجم. عندما يتوقف كل الاندماج النووي يؤدي هذا إلى ظهور مستعرٍ أعظم يقذف العناصر التي كوّنها النجم خلال حياته إلى الكون.

هل يمكن صنع طاقة الاندماج النووي في الأرض؟

لا تستطيع البشرية جلب نوى النجوم إلى الأرض، لذا فإن أقرب شيء لذلك هو صناعة غاز البلازما الكثيف الشبيه بالغاز الموجود في قلب الشمس. الأجهزة المخصصة للقيام بذلك هنا على الأرض (مفاعلات الاندماج النووي)  تسمّى توكاماك (Tokamaks). غالباً ما يُطلق على توكاماك اسم “الشمس الاصطناعية”، وهذه المفاعلات تكون على شكل كعكة الدونات الدائرية تحاكي العمليات التي تحدث في الشمس.

يوجد حالياً أكثر من 200 توكاماك قيد التشغيل في جميع أنحاء العالم، مع المعالم العلمية التي تمَّ تحقيقها في هذه الأجهزة، والتي أدت إلى تطوير خارطة طريق لتشغيل المفاعل التجريبي النووي الحراري الدولي، أو ITER ، وهي أكبر تجربة اندماجٍ نووي في العالم قيد الإنشاء في جنوب فرنسا. يهدف التوكاماك التجاري إلى استخدام الطاقة الحرارية للبلازما التي يتمُّ تسخينها عن طريق الاندماج لتسخين المياه، وإنشاء البخار، وبالتالي تدوير العنفات (التوربينات) التي تولد بدورانها التيار الكهربائي.

على الرغم من أن الاندماج يمكن أن يتضمن ثروةً من العناصر الكيميائية، فإن التفاعل النووي الذي تهدف معظم التوكاماك إلى جعله قابلاً للتطبيق هو اندماج نظائر الهيدروجين الثقيلة الديوتيريوم (مع نواةٍ مكونة من بروتونٍ واحد ونيوترون واحد)، والتريتيوم (بروتون واحد ونيوترونان)، حيث يؤدي دمج ذرات هذه العناصر معاً إلى تكوين نيوترونات وهليوم. [2]

بدأ مشروع ITER رسمياً في عام 2006، عندما وافقت 35 دولة على تمويل ما يقدر بنحو 6 مليار دولار، وهي خطةٌ مدتها عشر سنوات كانت ستشهد بدء تشغيل ITER في عام 2016، وتشير أحدث تقديراتٍ رسمية للتكلفة إلى أكثر من 22 مليار دولار، فمشروع ITER لا يواجه تأخيراتٍ إضافية لعدة سنوات فحسب، بل يواجه أيضاً اعترافاً داخلياً متزايداً بأن التحديات التقنية المتبقية للمشروع على وشك أن تؤدي إلى تفاقم الميزانيات بشكلٍ أكبر، ويمكن القول إن هذا المشروع رغم الأهداف الكبيرة له، والطموحات العالية لم يتحقّق حتى الآن. [3]

المراجع البحثية

1- What is nuclear fusion? (2023, August 3). Iaea.org. Retrieved February 14, 2024

2- Lea, R. (2022, September 21). What is nuclear fusion? Space.com. Retrieved February 14, 2024

3- Seife, C. (2023, June 16). World’s largest fusion project is in big trouble, new documents reveal. Scientific American. Retrieved February 14, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.