Skip links
رسم توضيحي لأعصاب الجسم عند شخص بالغ

الألم الراجع

الرئيسية » المقالات » الطب » الألم الراجع

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

من أهمّ الأعراض السريرية التي يعاني منها المريض، وتدفعه لمراجعة أقرب عيادةٍ أو مركزٍ طبي هو عَرَض الألم، وعلى الرغم من كونه عرضاً مهمّاً لتشخيص الكثير من الأمراض، وغيابه يجعل مهمة تشخيص المرض صعبةً جداً، إلا أن هذا العَرَض قد يظهر في أماكن بعيدة غير متناسبةٍ مع مكان ونوع الأذية التي يعاني منها المريض، كأن يظهر الألم في الظهر، إلا أن المريض يعاني من التهابٍ في أحد أعضاء البطن، أو يظهر الألم في الكتف، والمريض يعاني من التهابٍ في الكبد.

وهذه الظاهرة التي يظهر فيها الألم في أماكن بعيدة عن أماكن الإصابة يُطلق عليها ظاهرة الألم الراجع (Referred pain)، وهي من الظواهر الطبية المهمة، والتي تتمُّ دراستها بشكلٍ مفصل، وذلك لأهميتها في الطب التشخيصي والعلاجي للكثير من الأمراض.

ما هو الألم الراجع؟

هو الألم الذي يتمُّ إدراكه في مكانٍ آخر غير موقع المُحفّز (المنشأ المؤلم)، وهو نتيجةٌ لشبكةٍ من الأعصاب الحسية المترابطة التي تغذي العديد من الأنسجة المختلفة، فعندما تكون هناك إصابة في موقعٍ واحدٍ في الشبكة، فمن الممكن أنه عندما يتمّ تفسير الإشارة في الدماغ، تُفسّر إشاراتٌ ألميةٌ أخرى في الأنسجة العصبية المحيطة. ومع ذلك، لا ينبغي الخلط بين الألم الراجع، والألم المُشع، أو الجذري (Radating pain)، وهو الألم الناجم عن الإشارات العصبية الشاذة القادمة من الجذر الظهري أو العقدة العصبية.

يمكن أن يحدث الألم الجذري بسبب فتق القرص الفقري، أو داء الفقار، أو انزلاق الفقار، أو أي حالةٍ تنطوي على ضغط العقدة الجذرية الظهرية، وقد يكون الألم في الأسنان أو الفكين أحد الأعراض الأولى للنوبة القلبية. في حالة الإصابة بنوبةٍ قلبية، فإن وجود ألمٍ في الأسنان أو الفكين لا يعني أن هناك أي حالة أسنانٍ تحتاج إلى علاجٍ في حالة عدم وجود أي حالة أسنان موجودةٍ مسبقًا.

يعدُّ ألم الأسنان أثناء النوبة القلبية مثالًا كلاسيكيًا على الألم الراجع، وهو الألم الذي يتمُّ الشعور به في موقعٍ بعيد عن موقع المنشأ، لكن الألم الراجع يمكن أن يحدث أيضًا في ظل ظروفٍ أقل شدة دون أن تكون مرتبطةً بأي أمراضٍ قلبية، وبالتالي يتمُّ العثور على الألم الراجع بشكلٍ متكررٍ عند المرضى الذين يعانون من آلام العضلات والعظام المزمنة، على سبيل المثال: اضطراب الفك الصدغي (TMD)، والألم العضلي الليفي، وآلام أسفل الظهر المزمنة.

المرضى الذين يعانون من اضطرابات المفصل الفكي الصدغي، على سبيل المثال: يمكن أن يشير ألم العضلات أو مفصل الفك إلى الأسنان، وأجزاءٍ أخرى من منطقة الفم والوجه، ويمكن للمرضى والأطباء على حدٍّ سواء أن يصبحوا مقتنعين بأن الألم يعود في الواقع إلى شكلٍ من أشكال أمراض الأسنان، وهناك حالاتٌ سريرية يتمُّ فيها إجراء عمليات قلع الأسنان مع الاعتقاد الخاطئ بأن هناك سببًا سنيًا للألم، وفي هذه الظروف، لا يكون لخلع الأسنان أي تأثيرٍ على الإطلاق على آلام القلب.

هذه الحالات التشخيصية المهمة تجعل من الألم الراجع من الحالات الطبية المهمة، حيث إن تجاهل هذه الظاهرة يؤدي إلى خطأ في وضع تشخيصٍ نهائي للعديد من الأمراض الخطيرة وتفسيرها على أنها أمراضٌ أخرى مغايرة تماماً، وبعيدة عن السبب الرئيسي للألم، والذي قد ينتمي إلى قطاعٍ معينٍ آخر في الجسم مختلف تماماً. [1] [2]

ما هي الآلية الفيزيولوجية للألم الراجع؟

توجد عدة نظرياتٍ تفسر انتشار الألم في ظاهرة الألم الراجع، وهي: [1]

1- نظرية التقارب والإسقاط

تنصُّ على أن الألم ينجم عن تقارب المعلومات الواردة من الأعضاء الحشوية، وتلك ذات الأصل الجسدي الهيكلي على نفس القطعة العصبية في النخاع الشوكي، ويؤدي هذا التقارب إلى فرط نشاط الخلايا العصبية في القرن الظهري، والذي يتمُّ تفسيره على أنه قادمٌ من نفس القطاع الجلدي.

2- نظرية تيسير التقارب

 هذه النظرية تفترض تشابك مستقبلاتٍ في قطاعاتٍ جلديةٍ سفلية، والتي تتلقى تنبيهاتٍ دون حدّ العتبة الألمية، وتشابك هذه المستقبلات يؤدي إلى إرسال إشاراتٍ ألميةٍ إلى نفس الخلية العصبية الحسية في السبيل المهادي النخاعي، مما يؤدي إلى ظهور حسّ الألم في أماكن بعيدة عن مكان الأذية.

3- نظرية المنعكس المحوري

هو انتشار نبض المُستقبِل الجلدي من المحور الرئيسي إلى الأوعية الدموية القريبة في المنطقة المحفّزة من الجلد، وتطلق هذه النبضات عوامل كيميائية تتسبّب في تمدُّد الأوعية الدموية وتسربها، مما يتسبّب في تعرُّق الجلد، وتمدُّد الأوعية الدموية.

4- نظرية التقارب المهادي

5- نظرية فرط الاستثارة

التظاهر السريري للألم الراجع

عادةً ما يمتلك الألم الراجع عدة صفاتٍ مميزةٍ له:

● ترتبط منطقة الألم المشار إليه بكثافة ومدة الألم المستمر (المستثار).

● يكون الألم خفيفًا، أو مؤلمًا، أو قارضاً، ويوصف أحيانًا بأنه ضغطٌ متوسّع ينتشر إلى مناطق واسعة، مما يجعله صعب الوصف.

● المرضى الذين يعانون من آلام العضلات والعظام المزمنة، يلاحظ عندهم توسُّع مناطق الألم الراجع عند تحفيز الألم عندهم بالمحفزات التجريبية.

● يُلاحظ الانتشار القريب لآلام العضلات الراجعة في المرضى الذين يعانون من آلام عضلية هيكلية مزمنة، والتي نادرًا ما تظهر في الأفراد الأصحاء.

● لا توجد أعراض عصبية، مثل: التنميل، لأن الألم المشار إليه لا ينتج عن ضغط جذور الأعصاب.

تدبير الألم الراجع

وجدت العديد من الدراسات أن شدة الألم الراجع ترتبط بكثافة ومدة الألم العضلي، وأكثر الأصناف فعاليةً في تدبير الشكل المزمن من الألم الراجع سابقاً هي أصناف المورفينات، إلا أنه حديثاً يتمُّ الاعتماد على مضادات مستقبلات ن-ميتيل د-اسبارتات، ومنها: الكيتامين (ketamin) في تدبير الألم الراجع، لإثبات فعاليتها بشكلٍ أفضل من المورفينات، كما أن تطبيق خليطٍ سائلٍ من التخدير الموضعي على الجلد فوق منطقة الألم الراجع مباشرةً يُقلّل من شدة الألم المشار إليه بنسبة 22.7 بالمئة، وقد تمّ العثور على نتيجةٍ مماثلة بعد رشّ كلوريد الإيثيل على منطقة ألم راجع. [1] [2]

ما هي الأساليب الأخرى التي يمكن اتباعها لوقف الألم الراجع بشكلٍ تام؟

● حجب العصب التفاضلي مع عاصبةٍ (رباط) مضخمةٍ بين موقع التحفيز ومنطقة الألم الراجع البعيدة.

● تخدير مناطق الألم الراجع عن طريق الوريد.

يمكن خفض شدة الألم الراجع عبر التقنيتين السابقتين بنسبة 40 بالمئة، كما يمكن الاعتماد على التسكين عن طريق عيادات الليزر، والإبر، وغيرها من التقنيات التي أثبتت فعاليتها نسبياً في تخفيف وتدبير ظاهرة الألم الراجع.

المراجع البحثية

1- Jin, Q., Chang, Y., Lu, C., Chen, L., & Wang, Y. (2023). Referred pain: characteristics, possible mechanisms, and clinical management. Frontiers in Neurology, 14. Retrieved January 27, 2024

2- Referred pain. (n.d.). Physiopedia. Retrieved January 27, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.