الأبجدية الفينيقية – خصائصها وأهمُّ النقوش المُكتشفة
تدقيق لغوي: أ. موانا دبس
قائمة المحتويات
تعدُّ الكتابة من الإنجازات الحضارية المهمّة التي وصل إليها الإنسان، حيث كانت وسيلة الإعلام الوحيدة، كما أنها ساهمت في حفظ المعارف والعلوم، ونقلها بين الشعوب عبر التاريخ، وقد أكد الباحثون أنها مرت بمراحل وأشكال متعددة، فقد كانت بدائيةً تصويرية، كالكتابة الهيروغليفية حتى وصولها إلى شكلها الحالي الذي ندعوه بالأبجدية (نسبةً إلى الحروف الأربعة الأولى من ترتيب أبجد هوز) أو الألفبائية (نسبةً إلى الحرفين الأولين من أسماء الحروف)، والتي تمثل المرحلة المتطورة، وربما تكون الأخيرة لما يمكن أن تصل له الكتابة. ومن الكتابات القديمة التي تعدُّ أصلاً لكل كتابات الأبجدية في العالم الكتابة الأوغاريتية، أبجدية جبيل، والأبجدية الفينيقية التي سوف تكون موضوع مقالتنا التالية. [1]
من هم الفينيقيون؟
يرى جمهرة الكتاب أن الفينيقيين يعود أصلهم إلى الساميين، ويعتبر الفينيقيون والكنعانيون اسمان لشعبٍ واحد، حيث أطلق اليونانيون عليهم الفينيقيين. أما هم فكانوا يسمّون أنفسهم الكنعانيين، وتظهر هذه التسمية واضحةً في نقوشهم. ويعود تاريخ وجودهم إلى المدن الفينيقية التي ظهرت في الألف الثالث قبل الميلاد، وهي: أرواد، أوغاريت، طرابلس، جبيل، بيروت، صيدا، صور، قرطاجة (تونس)، عكا.
وقد استمدت الحضارة الفينيقية شهرتها من اعتمادها على اهتمامها بالصناعة، والتجارة، ولا سيّما النشاط التجاري البحري، والذي هيّأ له عمل الفينيقيين بالملاحة البحرية، حيث كان للنقل البحري دوراً هاماً في تأثير الفينيقيين على الدول التي وصلوا لها، وتأثرهم بها.
حيث امتدّ نشاطهم التجاري على المدن الساحلية التي تقع على سواحل البحر المتوسط جنوب أوروبا، والسواحل الشرقية لإفريقيا، وجزيرة العرب. وكان للفينيقيين بصمتهم التاريخية التي تميزوا بها عن مدن الشرق القديم، وذلك من خلال اختراعهم للكتابة بحروفٍ هجائيةٍ راقية، والتي كانت أساساً للثقافة الحديثة. [2] [3]
الكتابة الفينيقية أصل أبجديات العالم
يُحصر اختراع الأبجدية في مدينة صور، والتي كانت في موقعٍ متوسطٍ ما بين أوغاريت، وسيناء، وقبرص، حيث اكتشف أن الفينيقيين قد اخترعوا هذه الأبجدية حوالي عام 1100 قبل الميلاد، وذلك من خلال تطوير الكتابات السومرية والمصرية القديمة، حيث أصبحت الكتابة حروفاً، وكل حرفٍ يمثل صوتاً معيناً، وتُكتب من اليمين إلى اليسار، كما في الكتابة الأوغاريتية، وغيرها من الكتابات القديمة.
وقد أصبحت هذه الكتابة أساساً للكتابة في الشرق والغرب، حيث إن النشاط التجاري البحري للفينيقيين أدى إلى انتقال هذه الأبجدية إلى المدن التي وصلوا إليها، ولا سيّما بلاد الإغريق المعروفة حالياً باليونان حوالي 403 قبل الميلاد، فأصبحت أبجديتهم الخاصة التي كان لها دور مهمّ في تطوير الفكر الفلسفي لديهم، وذلك من خلال استخدامها في تدوين فلسفتهم في الكتب، وتناقلها عبر الأجيال اللاحقة.
كما نقل اليونانيون الأبجدية الفينيقية إلى الرومانيين الذين اشتقوا منها الكتابة اللاتينية، والتي تحتلُّ المرتبة الأولى في العالم بين الكتابات اليوم، كما أن السلاف استنبطوا منها كتابتهم الكيريلية في دول شرق أوربة وروسية، وقام الآراميون بنشرها في بلاد فارس، والهند، وآسية الوسطى، وجنوب شرقي آسية. [1] [2] [3] [4] [5]
خصائص الأبجدية الفينيقية
هي كتابة ألفبائية، ومسمارية، ومقطعية، وقد أصبحت فيما بعد أصلاً لكل الكتابات الأبجدية في العالم، حيث قام الفينيقيون بإدخال تعديلٍ على الرموز الأكادية والآشورية، والتي بلغت المئات من الرموز حوالي 750 رمزاً وعلامةً، فوضعوا (27) رمزاً للأصوات الكلمية، ثم اختزلت حتى أصبحت اثنان وعشرون رمزاً جُمعت في عباراتٍ على النحو الآتي: (أبجد هوَّز حطّي كلمن سعفص قرشت).
ويرمز كل حرفٍ منها لصوتٍ خاصّ يستفاد منه في كل كلمةٍ يرد فيها، كما أن الكلمات في الفينيقية قد تُختصر، وهي بذلك تتميز بظاهرة النحت (أي اختزال الكلمات)، ولم تظهر فيها الحركات القصيرة (فتح، ضم، كسر)، كما أنها خالية من حركات المدّ الطويلة، مثال: (بيت، بِت) (يوم، يم)، فالحروف الساكنة أصبحت جذراً للكلمة. أما الحروف الصوتية، فقد اندمجت مع الحروف الأخرى للتعبير عن الأشكال القاعدية للكلمة. [1] [3] [4]
أهمّ النقوش الفينيقية المُكتشفة
● يعدّ النقش الذي اكتشف على قبر الملك الفينيقي أحيرام ملك جبيل من أقدم النقوش الفينيقية، حيث يعود تاريخه إلى نهاية القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وهو النقش الذي اكتشفت من خلاله الكتابة الفينيقية، وهو موجودٌ في المتحف الوطني في بيروت.
● نقش كلمو، وهو من المصادر الفينقية القديمة والمهمة، ويعود تاريخه إلى الألف التاسع قبل الميلاد، حيث عثر عليه منطقة تل زنجيرلي التابعة لأرواد السورية، وسمّي باسم أحد أمراء (شَمْأْل)، وقد تضمن هذا النقش عدا الكتابة صورةً للملك بزيّ الحربي، وصورة للشمس، وأخرى للقمر.
● أما أطول نقش فينيقي عثُر عليه، فقد كان في أرض فينيقيا، حيث عُثر على تابوتٍ لملكٍ من ملوك صيدا، وهو الملك أشمونوز، وكان النقش يتضمن اسم الملك، ونسبه، ولقبه، وبعض اللعنات التي كانت تقال في العصر القديم لمن ينتهك حرمة المدفن، وهو موجودٌ حالياً في متحف اللوفر في باريس. [1] [3] [5] [6]
مقارنة بين بعض الرموز الكتابية في اللغة العربية والفينيقية
– إن اللغة العربية استخدمت أسامي الحروف من الكتابة الفينيقية، ولكنها اختلفت عنها في طريقة رسمها، كما أنها زادت على الفينيقية حروفاٌ ليست موجودةً، مثل: (الضاد، الظاء، الغين).
– يعدّ ُرمز النقطة (.) من الرموز المشتركة بين العربية والفينيقية، حيث استعملت النقطة في العربية في خمسة مواضع. أما في الفينيقية، فقد استعملت في موضعٍ واحد، وهو الفصل بين الكلمات.
– استعملت الشَرطة (الشخطة) في النقوش الفينيقية رمزاً للعدد، حيث وردت في إحدى النقوش التي وجدت في قبرص أربع شرطات، حيث قال عنها أحد الباحثين: ” الشخطات الأربع لعلامات العدد، ربما تعني اليوم الرابع للشهر”. أما اللغة العربية، فقد استخدمت رموزاً خاصةً بالأعداد.
– يكرّر الحرف في اللغة العربية في مجال صوامت الكلمة التي تدخل في بنيتها، مثل: (وددْتُ، مررْتُ). أما التكرار في اللغة الفينيقية يدلّ على تشديد الحرف لعدم وجود الشدّة.
– توجد علامة السكون (ــْـ) في اللغة العربية، وهي غير موجودة في الفينيقية. [7]
أحرف الأبجدية الفينيقية وما يقابلها من أحرف اللغة العربية
المراجع البحثية
1- أحمد رحيم هبو. (2004). الكتابة. تاريخ العرب قبل الإسلام (pp. 62–70). essay, مديرية الكتب الجامعية. Retrieved July 23, 2024
2- محمد الخطيب. (2017). مدخل إلى تاريخ الحضارة الفينيقية الكنعانية. الحضارة الفينيقية. Al Manhal. Retrieved July 23, 2024
3- غسان خلف. (2014). لغة الكنعانيين الفينيقيين. موجز تاريخ لبنان. ktab INC. Retrieved July 23, 2024
4- أحمد فارس. (1978). الكتابة عبر تاريخها الطويل. الفيصل, 75–78. Retrieved July 23, 2024
5- معين مشتاق عباس. (2002). باب النون. المعجم المفصل في مصطلحات فقه اللغة المقارن (pp. 137–138). دار الكتب العلمية. Retrieved July 23, 2024
6- جرار، محمد الفيصل. (n.d.). الحروف الكنعانية الفينيقية. الحلقة المفقودة والدين المختطف (p. 38). Retrieved July 23, 2024
7- جلال عبدالله سيف الحمادي. (2022). الرموز الكتابية للعربية الفصحى والجنوبية والسريانية والعبرية دراسة مقارنة. مجلة الدراسات اللغوية, 269–270. Retrieved July 23, 2024