Skip links

أمواج التيراهرتز – خصائصها، ما أهمُّ تَطبيقاتها؟

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

مجال أمواج التيراهرتز

منَ المعروف أنَّ الطيف الكهرومغنطيسي يَمتدُّ بدءاً منَ الأمواج الراديوية والميكروية مروراً بالضوء المَرئي، ثمَّ إلى الأشعة السينية وأشعة جاما، وقد استطاع العلماء إرسال واستقبال الأمواج الكهرومغنطيسية لجميع إشعاعات هذا الطيف تَقريباً، إلَّا أنَّ هناكَ مَجال ضمنَ الطيف الكهرومغناطيسي يتمتَّع بخصائص مُميَّزة لا يزالُ غير مُكتشف تقريباً.

وهوَ النطاق الواقع بينَ أشعة الضوء المَرئي وأشعة الراديو، والتي أُطلقَ عليها فجوة التيراهيرتز، وتقعُ هذهِ المنطقة بالتحديد بينَ مجال الأمواج الميكروية ومجال الأشعة تحت الحمراء، حتى أنَّ بعض العلماء يطلقون على أمواج التيراهيرتز اسم “الأشعة تحت الحمراء البعيدة”.

ولعقودٍ منَ الزمن، لم ينجح العلماء في استغلال هذا المجال لنقل أمواج التيراهيرتز، وذلكَ لصعوبة توليدها، وعدم وجود أجهزةٍ مُناسبةٍ لكشفها. يقعُ نطاق تردُّدات أمواج التيراهيرتز من حوالي 300 جيغا هرتز إلى 10 تيراهرتز، وهوَ ما يتوافقُ معَ الأطوال الموجية من بضع ميلي مترات إلى عشرات الميكرومترات، وهذهِ التردّدات أعلى من تردّدات أمواج الراديو وأجهزة الميكروويف، وأقل من تردّدات الأشعة تحت الحمراء.

وقد عُرفت تقنية أمواج التيراهيرتز منذُ بداية القرن العشرين، إلَّا أنَّ تطبيقها لم يكن مُمكناً إلَّا قبل ثلاثةِ عقودٍ، وذلكَ بسبب عدم توفُّر الوسائل المادية اللازمة والمُناسبة لتوليدها وكَشفها. ويَرجعُ التقدُّمُ السريع في هذا المجال لحدٍّ كبيرٍ إلى تقدُّم في مَجال الضوئيات، والذي خَلقَ العديدَ منَ الحلول لتوليد واكتشاف أمواج التيراهيرتز، وكذلكَ لتعديل إشارات أمواج التيراهيرتز، وقد عزّزت هذهِ التطورات الحافزَ لبذلِ جهودٍ جديدةٍ في مُختلف مَجالات تكنولوجيا أمواج التيراهيرتز.

كما أنَّ خيارات التكنولوجيا المُتزايدة بسرعة تَفتحُ أيضاً مَجالاً واسعاً منَ التطبيقات، ويُمكن لأمواج التيراهرتز أن تنفذ من خلال الورق، والكرتون، والقماش، والخشب، والبلاستيك، وحتى السيراميك، إلَّا أنَّ هذهِ الأمواج لا يُمكنها اختراق الماء أو المعادن، ويُعدُّ الغلاف الجوي ماصَّاً شديداً لهذهِ الأمواج، لذا يُعتبرُ مَدى هذهَ الأشعة مَحدوداً ضِمنها، مما يؤثِّر في فائدتهِ في الاتصالات بَعيدةِ المَدى. [1] [2] [3]

منابع أمواج التيراهرتز

في عام 2002، نجحَ العلماء في صنعِ ليزر تيراهيرتز كمومي، ولكن كانَ هذا الجهاز يحتاجُ إلى درجات حرارةٍ مُنخفضةٍ تبلغُ حوالي -343 درجة فهرنهايت ليعمل فعلياً، وهذا يتطلَّب إحاطتهُ بالنيتروجين السائل، مما يجعلُ منَ الصعب استخدامهُ خارج المُختبر. وفي العقدين التاليين، تناقصت عتبة درجة الحرارة هذهِ، إذ أصبحت تَعمل أجهزة الليزر عندَ درجة حرارة أكثر اعتدالاً تبلغُ حوالي 8 درجات فهرنهايت، وتُعتبرُ هذهِ الدرجة قريبةً من درجة حرارة الغرفة، وهيَ كافيةٌ بحيثُ يُمكنُ تبريد الليزر داخل ثلاجةً مَحمولة، ونقلها خارج المُختبر.

وفي عام 2019 ابتكرَ فريقٌ من جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والجيش الأمريكي ليزر تيراهيرتز بحجمِ صندوقٍ صغير. وفي هذا الوقت حقّقت الإلكترونيات تقدُّماً سريعاً أيضاً، إذ أنَّ التقدُّم في كيفية تَصنيعِ الرقائق والمواد التي تدخل فيها دفعها إلى العملِ بشكلٍ أسرع، حيثُ تمكنت شريحة بلازما نانوية صنعها مجموعةٌ منَ العلماء في سويسرا عام 2020 من نقل 600 ميلي واط منَ أمواج التيراهيرتز.

كما تَمكَّنَ العلماء من إنشاءِ ليزر إلكترونٍ حر، بالإضافة إلى مصادر أشعة السنكروترون التي تنبعثُ منها أمواج عالية جداً في منطقة التيراهيرتز الطيفية، وهي مفيدةٌ لأغراضٍ بحثيةٍ مُختلفةٍ، إلَّا أنَّها كبيرةٌ جداً ومُكلفة. ويُمكن لبعض أنواع ليزر الغاز الجزيئي أن تولَّد أمواج تيراهيرتز، يُطلقُ عليهِ أحياناً اسم ليزر الأشعة تحت الحمراء البعيدة، وهيَ تَستخدمُ انتقالاتٍ جزيئاتٍ مُعينة (مثل: الميثانول) بينَ حالات الدوران الجزيئي، والتي يُمكنُ من خلالها توليد تردّداتٍ مُنفصلةٍ في نطاقٍ واسع، ويتمُّ ضخ أشعة الليزر الغازية هذهِ معَ ليزر ثاني أكسيد الكربون.

ويُعتبر ليزر الشلال الكمومي (Quantum cascade lasers (QCLs)) أهمّ منابع أمواج التيراهرتز، وهوَ عبارةٌ عن ليزر أشباه الموصلات، تمَّ تطويرهُ للإصدار في المنطقة الطيفية للأشعة تحت الحمراء المتوسطة والبعيدة، وقد أدى تَحسين الطول الموجي للانبعاث الطويل بشكلٍ خاصٍ إلى تردّدات انبعاثٍ تبلغُ بضعة تيراهيرتز فقط، والتي يُمكنُ ضبطها في نطاقٍ مُحدود، ومثل هذهِ الليزرات تحتاجُ إلى نظام تبريدٍ خاصٍ بها.

ويُمكن توليد تردّداتٍ مُختلفةٍ لموجتين بصريتين بتردّدٍ مُماثلٍ للحصول على أمواج تيراهيرتز، كما يُمكنُ أن يكون هناك مكونان تردّديان لنبضةٍ فائقةِ القصر عريضةِ النطاق تتفاعلان بشكلٍ غير خطي، مثل: هذهِ العمليات مُمكنة في العديد منَ المواد البلورية غير الخطية، وتعملُ بشكلٍ أساسي، مثل: توليد تردُّد الفرق لمصادر الليزر تحت الحمراء المتوسطة.  [4] [5] [6]

خصائص أمواج التيراهرتز

أمواج التيراهرتز هيَ أمواجٌ مُنخفضة الطاقة وغير مؤيِّنة، وبالتالي فهيَ غيرُ ضارةٍ للإنسان، ويُمكنها المرور عبرَ مُعظم المواد العازلة باختراقٍ يصلُ إلى سنتيمتر، وهذا يُمكِّنُ من “رؤية” الطبقات السطحية للمواد، مثل: البلاستيك، والأدوية، والورق، والكرتون، والسيراميك، والخشب، والعوازل، والمواد المُركَّبة، والمنسوجات، والدهانات، وما إلى ذلك، مما يُمكِّنُ من تحليل بنيتها الداخلية، ويجعلُ اكتشاف الأشياء كفقاعات الهواء في المواد المُختلفة، وتحديد سمكها أو عيوبها الداخلية أمراً مُمكناً.

كما تتيحُ أمواج التيراهيرتز التحليل غير المُدمِّر (الآمن) للمواد الداخلية المَخفية، ومنَ المُتوقّع أن تؤدي هذهِ التقنية إلى تطوير طرقٍ جديدةٍ للتحليل غير المُدمر، ونظراً لأنَّ الأطوال الموجية لأمواج التيراهيرتز تقاسُ بعشرات ومئات الميكرومترات، كما في ضوء الليزر، لذا فإنَّ أمواج التيراهيرتز يُمكنها إنتاجُ صورٍ بدقةٍ مماثلةٍ لتلكَ التي تشاهدها العين البشرية في الضوء المَرئي.

وكما هوَ معروف، فإنَّ جميع المواد تتكوَّن من ذراتٍ وجزيئاتٍ مُرتبطةٍ بروابط كيميائية، لذا عندَ تَعرُّضها لأمواج التيراهرتز بأطوالٍ موجيةٍ مُعينةٍ، تهتزُّ كلُ هذهِ الروابط الكيميائية بتردّد مُميَّز، فتتيحُ المعلومات المُتعلِّقة بهذهِ الروابط من تَحديد التركيب الكيميائي للمادة وللشوائب والخصائص الأخرى لها. وبالمُقارنة معَ طيفها المَعروف، يُمكنُ تحليل الاختلافات بينَ المُنتجات الصيدلانية مثل الأقراص بشكلٍ غير مدمر.

 تطبيقات أمواج التيراهرتز

هناكَ العديد منَ التطبيقات الصناعية والطبية المُتزايدة لأمواج التيراهرتز، سنذكرُ بعضاً منها: [7]

1- التصوير

على الرغم من أنَّ نقل أمواج التيراهيرتز عبرَ الكابلات أو الألياف مُحدودٌ للغاية، وذلكَ بسبب التكلفة العالية، إلَّا أنَّه يُمكنُ نقل الإشارات الضوئية من خلال الألياف الضوئية التي تحملُ إشاراتٍ لأمواج التيراهيرتز، والتي يُمكنُ استخدامها معَ جهاز مزجِ الصور لتوليد أمواج التيراهيرتز، هذا الإشعاع يُمكنهُ أن يخترقَ العديد منَ المواد، مثل: الورق، والبلاستيك، والمَنسوجات، لذا يُستخدم في تطبيقات التصوير في مجالاتٍ، مثلَ: فحوصات الجودة الصناعية غير المُدمّرة.

2- الاتصالات

يَصعبُ نقل أمواج التيراهيرتز عبرَ الكابلات، ولكن يُمكن نقلها عبرَ الهواء، وبالتالي فهيَ مناسبةٌ للاتصالات في الفضاء، إلَّا إنَّه عندَ تردّداتٍ مُعينة، تمتصُّ جزيئات الهواء (بما في ذلكَ بخار الماء) أمواج التيراهيرتز بقوة، ولا يزال منَ الممكن نقل البيانات بسرعةٍ على الأقل عبرَ مسافاتٍ قصيرةٍ، تصلُ لبضعة أمتار.

3- الطب

تُستخدم تقنية أمواج التيراهيرتز حالياً في الطب كعاملٍ فيزيائيٍ حيويٍ لتصحيح العديد منَ الاضطرابات التي تصلُ إلى النخاع العظمي، إذ أنَّ أمواج التيراهيرتز التي تَخترقُ أعماق الجسم تُولِّد ملايين الاهتزازات في الثانية، مما يُحسِّن الدورة الدموية ويقوّي جهاز المناعة.

يُستخدم لهذا الغرض جهازٌ خاص يُسمّى بجهاز العلاج عن طريق أمواج التيراهيرتز، وهوَ تقنية تَستخدم تردُّد الرنين بالأشعة تحت الحمراء البعيدة. إنَّ فوائد هذا الجهاز الفريد مُستمدّةٌ من ملايين الاهتزازات التي تحدثُ داخل البنية الخلوية على المُستوى المجهري.

حيثُ تعملُ هذهِ الاهتزازات، جنباً إلى جنب معَ الأشعة تحتِ الحمراء البعيدة غير المؤينة على تنشيط وتحفيز إصلاح الخلايا، وأداء واجباتها بكفاءةٍ أكبر.  يَستخدم هذا الجهاز تردّداتٍ مُعينةٍ يُمكنها اختراق الجسم لمسافةٍ تصلُ إلى 20 – 30 سنتيمتر، دونَ أي إزعاج أو تَهيُّج.

فوائد جهاز التيراهيرتز

1- يزيلُ الخلايا غير الصحية (المُتضررة والميتة).

2- يُنشِّط الخلايا النائمة (خلايا الجسم التي تكون في حالة سكون أو غير نشطة).

3- يزيدُ من القدرة على الشفاء الذاتي إلى مُستوى الحمض النووي.

4- يُحسِّن دوران الدم ضمنَ الأوعية الدموية الدقيقة.

5- يُنظِّم عمل الغدد الصماء.

6- يزيلُ رطوبة الجسم (احتباس الماء).

7- ينظِّف شوائب الدم. [8]

إضافةً لتطبيقات أمواج التيراهرتز المَذكورة سابقاً، هنالكَ العديد منَ التطبيقات الأخرى المتنوعة، سنذكرُ بعضاً منها:

– تقنيات الباركود: وذلكَ عن طريق أنتاج مُعدّاتِ كشفٍ جديدةٍ لأغراض المُصادقة.

– الأعمال الفنية: تَحديد الصِّباغ والبحث عن الصور أو التوقيعات المَخفية.

– الأغذية والمشروبات: تحديدُ مُحتوى الماء، وتحديدُ الأجسام الغريبة، ومراقبة جودة التغليف.

– مُستحضرات التجميل: مراقبة جودة الكريمات، وتَحديد مَدى انتشارها في الجلد.

– البناء: التحكُّم في سمك الصفائح الإسمنتية، والكشفِ عن عيوبها.

– الأمن: الكشف الخفي عن المُتفجرات والمواد المَحظورة، والتفتيش الأمني ​​لركاب الطائرة للكشف عن الأسلحة المُخبّأة تحت الملابس.

– الزراعة: الكشف عن الماء في الأوراق، ومراقبة تجفيف المُنتج، والكشف عن المواد غير المَرغوبِ فيها، وكشف الكسور في العبوات البلاستيكية.

– السيارات: تحديد سماكة الطبقات، وتحديد العيوب في طلاءات جسم السيارة، ويمكنُ للقطاعات الصناعية البحرية والسكك الحديدية أيضاً الاستفادة من هذا التطبيق.

– البلاستيك: فحص سُمك الطلاءات مُتعدّدة الطبقات في القطع البلاستيكية، والكشفِ عن العيوب الخفية.

– الإلكترونيات الدقيقة، وأشباه الموصلات، والمواد المُتقدِّمة: التوصيف الكهربائي للأجهزة الإلكترونية والمواد النانوية والمواد المُتقدِّمة، كالجرافين.

– علم المواد: الكشف عن الرنين الجزيئي داخل الجزيئيات؛ ودراسة المواد ذات التطبيقات الجديدة.

– الصيدلة: التوصيف الطيفي للمُنتجات الصيدلانية، واكتشاف وتحديد المواد غيرِ المرغوبِ فيها، بالإضافة إلى مراقبة جودة الأقراص “في المكان والزمن الفعلي”.

– الصحة: ​​الكشف عن أورام الجلد، والأبحاث الخلوية، وفحص مينا الأسنان، ومراقبة جودة العدسات اللاصقة والعدسات داخل العين.

المراجع البحثية

1- About Terahertz Waves|Terahertz Systems. (n.d.). ADVANTEST CORPORATION. Retrieved November 17, 2024

2- Siegel, P. (2002). Terahertz technology. IEEE Transactions on Microwave Theory and Techniques, 50(3), 910–928. Retrieved November 17, 2024

3- Paschotta, R. (2024, October 23). terahertz radiation. 2024 RP Photonics AG. Retrieved November 17, 2024

4- Singer, N. (2010, June 29). Sandia Labs reports first successful integration of a terahertz quantum-cascade laser and diode mixer into a monolithic solid-state transceiver. News Releases. Retrieved November 17, 2024

5- Researchers generate terahertz laser with laughing gas. (2019, November 14). MIT News | Massachusetts Institute of Technology. Retrieved November 17, 2024

6- Rao, R. (2022, March 22). You’ve probably never heard of terahertz waves, but they could change your life. Popular Science. Retrieved November 17, 2024

7- Cong, M., et.al. (2023). Biomedical application of terahertz imaging technology: a narrative review. Quantitative Imaging in Medicine and Surgery, 13(12), 8768–8786. Retrieved November 17, 2024

8- TeraSense. (2020, October 20). Applications. Retrieved November 17, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.