Skip links
تصافح الأيدي فوق الطاولة وتبادل الأموال تحت الطاولة

الفساد والتدهور الأخلاقي، أسبابه ونتائجه

الرئيسية » المقالات » الصحة النفسية » العلاقات » الفساد والتدهور الأخلاقي، أسبابه ونتائجه

تدقيق لغوي: أ. موانا دبس

ما هو الفساد؟

الفساد هو غريزةٌ طبيعيةٌ إلى حدٍّ كبير، فهو حالةٌ سائدة، حيث تسيطر أنماط البقاء المختلفة على أنظمة الإنسان الداخلية، وما تزال الأدمغة في الوضع البدائي حتى اليوم، فالإنسان يكتنز بالفطرة، وأغلب الناس بحاجة إلى الربح السريع.

الفاسدون اليوم لا يقومون بالاكتناز من أجل المال فحسب، بل أصبحت الحاجة إلى الاكتناز من أجل الوصول إلى السلطة رحلةً إلى القوة، وتذكرةً للتفوق، وعندما تقترن هذه المشكلة مع مجتمع دولةٍ نامية لا تزال غير قادرةٍ على تلبية احتياجات الناس الأساسية ورغباتهم، فستكون هناك مشكلة ضخمة تتمثل في رحلة السلطة المرتبطة بالفساد.

للفساد والتدهور الأخلاقي أسباب مختلفة مرتبطة بالعوامل الاجتماعية والثقافية، وانعدام الشفافية، والمساءلة القانونية، والتوزيع غير العادل للسلطة والموارد، وضعف الحكومة في تنفيذ القوانين، ويمكن أن تساهم الأعراف المجتمعية، والفوارق الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي في تفاقم هذه القضايا.

إضافةً إلى ذلك، يمكن أن يلعب نقص التعليم والوعي دوراً في التدهور الأخلاقي، ومن أهمّ أسباب الفساد أيضاً هو الإيمان بالطرق المختصرة بسبب القلق والخوف من فوات الأوان، الأمر الذي يجعل شخصاً أو مجموعةً من الأشخاص يُنحّون القوانين والمبادئ جانباً مستسلمين للمغريات، والسقوط في مستنقع الفساد.

كيف يصل الإنسان إلى الفساد الأخلاقي؟

إن الشخص الفاسد أخلاقياً يصل إلى هذه الحالة نتيجة سنواتٍ من التساهل المشبع غير الخاضع للرقابة سواءً أكان ذلك بالقيام بأفعالٍ مشينة، كالرشوة، والسرقة، والاحتيال، والنصب، وغير ذلك، أو الانغماس في عادات سيئة، كالمخدرات، أو تناول الكحول، أو أي شيء يسبّب زيادة الدوبامين في الدماغ، لأن هؤلاء الأشخاص في النهاية يجدون أنفسهم يطاردون الرغبة بالشعور بأي شيء، حتى لو كانوا يملكونه.

إن الإفراط في التساهل يؤدي إلى خلق الشهية للمزيد والمزيد، وهذا يتعارض مع الاعتقاد بأن الشخص كلما فعل شيئاً ما أكثر، كلما سئم منه بشكلٍ أسرع، وممارسة السلوك المشين يجعل الإنسان فاسداً أخلاقياً لأنه بعد قليل سوف يتقبله، ويسعى لتبريره لتضليل البوصلة الأخلاقية.

من هو الشخص الفاسد أخلاقياً؟

هو الشخص الذي برر في ذهنه فعلاً شريراً ليكون أمراً عادياً ومقبولاً، وقد يكون الأمر غير ضار، مثل: سرقة بسيطة بذريعة أن الشركات الكبرى تجني ملايين الدولارات عن طريق السرقة من الفقراء، لذلك فالسرقة منهم أمر لا بأس به وجائز. أو يمكن أن يتعدى ذلك إلى شيءٍ أسوأ، فالمريض النفسي مثلاً يعتقد بصدق أن التلاعب بحياة الآخرين وتدميرها هو أمر جيد، لأنهم متفوقون على الآخرين، وأن الأشخاص الذين يقعون ضحية أفعاله يستحقون العواقب.

لماذا ينتشر الانحطاط الأخلاقي؟

التدهور الأخلاقي هو مفهومٌ مرنٌ للغاية، والكثير مما يسميه بعض الناس الانحطاط الأخلاقي هو مجرد تنوع في المجتمع بسبب التطور في كيفية قبول أنماط الحياة المختلفة، وقد تكون أنماط الحياة تلك مختلفة عن الأساليب التقليدية، ولكن طالما أنها مبنيةٌ على الاحترام تجاه بعضها البعض، وليس بالضرورة تجاه السلطة، فمن الصعب وصفها بأنها منحطّةٌ أخلاقياً، حتى لو لم يتمّ اتباعها.

وهذا شيء يمكن أن يطلق عليه الشمول الأخلاقي إذا صحّ التعبير، فكل فردٍ لديه عملية نضجٍ خاصة به عندما يقترب من سن البلوغ، فيختار معتقداته الشخصية من أنماط تفكير وسلوك، وبذلك تختلف المعايير الأخلاقية، وتتغير لتصبح مطاطةً، وبالتالي تنحدر الأخلاق، ويصل المجتمع إلى الانحطاط الأخلاقي شيئاً فشيئاً.

ما الذي يجعل الإنسان فاسداً أخلاقياً؟

اجتماعياً، الظروف والقدوة، فعندما يرى الإنسان بأن الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة في هذا العالم هي الكذب، والغش، والسرقة، وهو يرى من حوله منغمسين في ذلك طوال الوقت، ولا يرى أمثلةً أفضل في مجتمع يعمُّه الفساد، عندها يستسلم لأفكارهم، وبعض الناس الفاسدين أخلاقياً يعتقدون أن بإمكانهم فرض الأخلاق على الأفراد.

مثال عن الفساد في المجتمعات

في شركة ما تمّ تعيين شخصين يعمل أحدهما 10ساعات في حين يعمل الثاني 3 ساعات فقط، ويحصل على ذات الراتب، وينتج الشخص الأول نتائج أكثر عشر مرات من الشخص الثاني، ومع ذلك لا تستطيع الشركة ترقية الشخص الأول، ومنحه راتباً أعلى، كما لا تستطيع إقالة الشخص الثاني أو تعيين شخص آخر أكثر كفاءةً نيابةً عنه.

في هذه الحالة، إلى متى سنتوقع أن الشخص الأول سيستمر في العمل بنفس القدر من الجدية والكفاءة في مثل هذه الحالة من الخدمة، فلا بدّ بعد فترةٍ من الزمن لهذا الشخص الملتزم من التسيُّب والتراخي، وربما سلك طريق الفساد.

ما هي أسباب الفساد؟

الفساد قضيةٌ معقدة لها أسباب ومحفزات مختلفة في أي مجتمع، وتتأثر بعوامل متعددة، كالشعور بعدم الأمان الاجتماعي، والانجذاب غير المبرر للثروة والجشع، والتوزيع غير العادل للموارد بين الجماهير، والشهوة للسلطة، والسياسيين الفاسدين، والمهنيين والزعماء الدينيين، وما إلى ذلك، ولكن أهمّ أسباب الفساد هي:

1- نقص التعليم

عدم كفاية الوصول إلى التعليم الجيد يمكن أن يساهم في الفساد الأخلاقي، حيث يلعب التعليم دوراً حاسماً في نقل القيم والأخلاق، وقد يؤدي الافتقار إليه إلى الانحلال الأخلاقي، فالوصول المحدود إلى التعليم الجيد يؤدي إلى إعاقة التطور الأخلاقي والقيم الأخلاقية، مما يؤدي إلى زيادة احتمال الفساد.

2- الفوارق الاقتصادية وعدم المساواة

غالباً ما يكون الفساد أكثر انتشاراً في البلدان ذات مستويات التنمية الاقتصادية المنخفضة، فعدم المساواة في الفرص والدخل بين الناس في هذه البلدان والفقر يمكن أن يؤدي إلى سلوكٍ غير أخلاقي، حيث يلجأ الناس إلى الفساد أو وسائل غير أخلاقية لتحسين ظروفهم المعيشية.

3- الفساد السياسي

الفساد داخل النظام السياسي يمكن أن يكون سبباً لتآكل الاقتصاد، ويأتي الفساد عموماً من ضعف تنفيذ القانون، والافتقار إلى الرقابة المستقلة، وثقافة الإفلات من العقاب.

4- ضعف المؤسسات وانعدام الشفافية

عندما تكون المؤسسات ضعيفةً، وتفتقر إلى الشفافية، يكون من السهل على الأفراد الفاسدين العمل دون أن يتمّ اكتشافهم.

5- البيئة المحيطة

كثيراً ما يقول علماء الأنثروبولوجيا أن الإنسان يدمر الطبيعة لأن التطور حدث بسرعةٍ كبيرة لدرجة أن الطبيعة لم تتمكن من اللحاق به، فلم يتمكن الإنسان من فهم الطبيعة، وداس عليها عمداً، وأدى عدم اكتراثه واهتمامه بعواقب أفعاله إلى الفساد في المجتمع والنظام البيئي بأكمله.

وبالتالي يجب الانتقال من الأنا إلى البيئة مكان وموضع الفساد وإنهائه، وربما تكون البيئة التي ينشأ فيها الإنسان هي السبب، فالنشوء دون عمودٍ فقري أخلاقي سيؤدي إلى غياب الأخلاق بداخله، والتي سيتعين عليه أن يجدها بنفسه. كذلك البيئة التي يضع الإنسان نفسه فيها لها دورٌ كبير، فعلى سبيل المثال: البيئة التي تخضع للماديات، والحصول على ما يريد دون الآخرين، هذا يجعله يقع ضحيةً للفساد.

6- الجبن

لأن وجود مبادئ أخلاقية سامية يعني تحمل مسؤولية الأفعال وردود الأفعال، والفاسد جبان يحكمه الطمع والجشع.

 7- غياب المراقبة وعدم المحاسبة

يقال إن الفساد هو الزيت الذي يجعل المحرك يعمل في المجتمعات الفاسدة. إن المجتمع الذي تنتشر فيه الرشوة، أو ما يتمّ تقديمه تحت مسمّى هدية، ولكن سراً هو مجتمعٌ فاسد، ويمكن لأي شخص أن يكون فاسداً لأنه لا يواجه عواقب أفعاله.

منظور الدين للخلاص من الفساد والانحلال الأخلاقي

من الناحية الدينية، إن المعصية والغطرسة هي أصل الفساد والانحلال الأخلاقي، حيث يقول الشاعر اليوناني القديم هسيود: “بالإعراض عن الله والكبرياء على مستوى علم النفس المعرفي، يبدأ السقوط بالتفكير الأناني، بدلاً من الثقة في العناية الإلهية، وتؤدي الأنانية إلى سلسلةٍ من الأفكار الخاطئة، والتي بسبب افتقارها إلى أساسٍ جوهري في القيم الأبدية، سرعان ما تنحدر تدريجياً إلى مستوياتٍ متزايدةٍ من الحماقة، ومن ثم إلى الرذيلة.”

والخلاص لا يكون إلا بالانتقال إلى مجتمعٍ خالٍ من الأنا يحكمه الدماغ الأخلاقي، فإذا كان الجميع يحبون بعضهم البعض، من الطبيعي أن يكونوا مراعين لبعضهم البعض ورحيمين، أما سبب الفساد، فهو حب الذات والمصلحة.

منهج الله هو الأخلاق الشرعية الوحيدة، وتشبُّث الناس بالاستثناءات يؤدي إلى الفساد، فكل استثناء يحطُّ من الأخلاق، والفساد سببه الأنانية، ولا يقتصر على تلقي الرشوى، والقيام بأشياء أخرى من أجل المال مع أن هذا هو جزءٌ من الشر.

إلا أن الفساد أيضاً له أوجهٌ متعددة عندما لا نفي بوعودنا، أو نكذب، أو نحتال على الآخرين لأننا نراهم بمثابة عوائق أمام تقدمنا، فنخطط لإسقاطهم، وما إلى ذلك من صور الشر في الحياة.

كلما تعلمنا أكثر عن العلوم، وانخرطنا في المصالح والمنفعة، قلّ إيماننا بالدروس التي يعلمها الدين، وابتعدنا عن المبادئ والأخلاق. بالمقابل، كلما التزمنا تعاليم الدين، واعتبرناها الشكل الأول للعلم، واعترفنا بالثروة المذهلة من المعلومات التي انتقلت عبر التقليد الشفهي قبل اللغة المكتوبة، فقد نشهد تحولاً نحو الأخلاق. [1]

المراجع البحثية

1- What are the causes of corruption and moral degradation? (n.d.). Quora. Retrieved March 24, 2024

This website uses cookies to improve your web experience.